أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ، فَقَالَ الْمَوْلَى أَنْتَ بَدَأْت فَضَرَبْت عَبْدِي، وَقَالَ الْحُرُّ بَلْ الْعَبْدُ بَدَأَ فَضَرَبَنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ سَبْقَ التَّارِيخِ فِي جِنَايَةِ عَبْدِهِ عَنْ الْحُرِّ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْحُرَّ قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ عَبْدَهُ بِالسَّيْفِ وَبَطَلَ حَقُّ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَهُ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ نَفْسُ الْعَبْدِ، وَقَدْ مَاتَ وَلَمْ يَخْلُفْ بَدَلًا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْلَفَ الْقِصَاصَ، وَإِبْقَاءَ مُوجَبِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْقِصَاصِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْحُرُّ جَنَى عَلَى الْعَبْدِ أَوَّلًا، فَقَدْ اسْتَحَقَّ نَفْسَهُ بِجِنَايَتِهِ، ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى قَتْلِ نَفْسٍ هِيَ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ بِالْجِنَايَةِ فَصَيَّرَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ عَنْهُ فِي الْوَجْهَيْنِ.
قُلْنَا: لَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ عَبْدًا لَوْ جَنَى عَلَى الْحُرِّ، ثُمَّ جَنَى الْحُرُّ عَلَيْهِ وَقَتَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ جِنَايَةَ الْخَطَأِ تَتَبَاعَدُ عَنْ الْجَانِي وَتَتَعَلَّقُ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْعَبْدِ مَوْلَاهُ وَلِهَذَا خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَبَيْنَ الْفِدَاءِ وَحَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الْعَبْدِ حَقٌّ ضَعِيفٌ حَتَّى لَا يَمْنَعُ بِقَوَدِ شَيْءٍ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْمَوْلَى فِيهِ وَمِثْلُ هَذَا الْحَقِّ الضَّعِيفِ لَا يُعْتَبَرُ شُبْهَةٌ فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ، فَإِنْ أَقَامَ الْحُرُّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَبْدِ أَنَّهُ بَدَأَ فَضَرَبَهُ فَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَبْدِ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ حَقٌّ ضَعِيفٌ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ إيَّاهُ، وَقَدْ فَاتَ مَحَلُّ حَقِّ الْحُرِّ فَبَطَلَ حَقُّهُ.
وَلَوْ الْتَقَى عَبْدٌ وَحُرٌّ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَصًا فَاضْطَرَبَا فَشَجَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مُوضِحَةً فَبَرِآ مِنْهَا وَاتَّفَقَ الْمَوْلَى وَالْحُرُّ إنَّهُمَا لَا يَدْرِيَانِ أَيُّهُمَا بَدَأَ، فَإِنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ الْمَوْلَى أَوْ يَفْدِيهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ مَعْلُومَةٌ وَهِيَ تُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمَوْلَى، فَإِنْ دَفَعَهُ رَجَعَ عَلَى الْحُرِّ بِنِصْفِ أَرْشِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْحُرِّ عَلَيْهِ إنْ سَبَقَتْ فَلِلْمَوْلَى الْأَرْشُ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ مَدْفُوعٌ مَعَ الْعَبْدِ بِجِنَايَتِهِ فَلِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ قُلْنَا يَرْجِعُ عَلَى الْحُرِّ بِنِصْفِ أَرْشِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ فَدَاهُ رَجَعَ عَلَى الْحُرِّ بِجَمِيعِ أَرْشِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بِالْفِدَاءِ طَهَّرَهُ عَنْ جِنَايَتِهِ وَأَرْشُ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَيْهِ سَالِمٌ لَهُ بَعْدَ الْفِدَاءِ، وَإِنْ تَقَدَّمَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ.
وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ فَشَجَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مَعًا وَبَرِآ خُيِّرَ مَوْلَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِجِنَايَةِ مَمْلُوكِهِ عَلَى مَمْلُوكِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ صَارَ عَبْدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فَلَا يَتَرَاجَعَانِ بِشَيْءٍ سِوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصَلَ إلَى مَا كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْشَ جِنَايَةِ الْآخَرِ تَامًّا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالضَّرْبَةِ قِيلَ لِمَوْلَى الْبَادِي بِالضَّرْبَةِ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ؛ لِأَنَّ عَبْدَهُ سَبَقَ بِالْجِنَايَةِ فَيُخَيَّرُ هُوَ أَوَّلًا، فَإِنْ دَفَعَهُ صَارَ الْعَبْدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute