للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

: فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الدِّيَةَ تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَالنِّصْفُ فِي سَنَتَيْنِ وَمَا دُونَ الثُّلُثِ فِي سَنَةٍ وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ جَمِيعُ الدِّيَةِ مَتَى وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ كَالْأَبِ يَقْتُلُ ابْنَهُ عَمْدًا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الدِّيَاتِ، وَإِذَا كَانَ جَمِيعُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَكُلُّ ثُلُثٍ مِنْهُ فِي سَنَةٍ. وَمَتَى كَانَ الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ ثُلُثَ بَدَلِ النَّفْسِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ تَقَوُّمَ النَّفْسِ بِالْمَالِ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَإِنَّمَا عُرِفَ ذَلِكَ شَرْعًا وَالشَّرْعُ إنَّمَا وَرَدَ بِإِيجَابِ الدِّيَةِ مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُ ذَلِكَ وَاتِّبَاعُ الْأَجْزَاءِ بِالْجُمْلَةِ فِي مِقْدَارِ مَا يَثْبُتُ فِيهَا مِنْ الْأَجَلِ.

وَالشَّافِعِيُّ يَجْعَلُ التَّأْجِيلَ لِمَعْنَى التَّخْفِيفِ كَالْإِيجَابِ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَعْنَى التَّخْفِيفِ مَعْقُولٌ فَأَمَّا فِي التَّأْجِيلِ فَمَعْنَى نُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ فِي الْمَالِيَّةِ أَنْقَصُ مِنْ الْحَالِّ وَبِسَبَبِ صِفَةِ الْعَمْدِيَّةِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِلتَّخْفِيفِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِهَذِهِ الصِّفَةِ تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ زِيَادَةٍ عَلَى قِيمَةِ الْمُتْلَفِ وَلَوْ أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ عَلَيْهِ حَالًّا كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ مُغَلَّظَةً وَفِيهِ إيجَابُ زِيَادَةِ الْمَالِيَّةِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْعَمْدِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ وَلَكِنَّا إنَّمَا نُنْكِرُ إيجَابَ الزِّيَادَةِ بِالرَّأْيِ فِيمَا لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ إنَّمَا أَوْجَبْنَاهَا بِالنَّصِّ كَأَصْلِ الْمَالِ بِمُقَابِلَةِ النَّفْسِ أَوْجَبْنَاهُ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ: فِي النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ فِي كُلِّ عَامٍ الثُّلُثُ، وَمَا كَانَ مِنْ جِرَاحَاتِ الْخَطَأِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ إذَا بَلَغَتْ الْجِرَاحَةُ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ فَفِي عَامَيْنِ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ فَفِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ وَبِهِ نَقُولُ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الْأَرْشِ مَتَى بَلَغَ نِصْفَ عُشْرِ بَدَلِ النَّفْسِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَوْ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الْمَالِ يَكُونُ عَلَى الْجَانِي. وَالشَّافِعِيُّ يُسَوِّي بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.

وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ. أَمَّا التَّسْوِيَةُ فَكَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي إيجَابِ الْكُلِّ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالتَّسْوِيَةُ فِي أَنْ لَا يُوجَبَ شَيْءٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي ضَمَانِ الْمَالِ وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ فِي أَرْشِ الْجَنِينِ بِالْإِيجَابِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَأَرْشُ الْجَنِينِ نِصْفُ عُشْرِ بَدَلِ الرَّجُلِ فَيَقْضِي بِذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِيمَا دُونَهُ يُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ».

<<  <  ج: ص:  >  >>