للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا نَسْخَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ. وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَدْ قَضَى بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ مَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا: هَذَا اجْتِمَاعٌ عَلَى وِفَاقِ مَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهِ عَلَى الْعَشِيرَةِ بِاعْتِبَارِ النُّصْرَةِ وَكَانَ قُوَّةُ الْمَرْءِ وَنُصْرَتُهُ يَوْمَئِذٍ بِعَشِيرَتِهِ، ثُمَّ لَمَّا دَوَّنَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الدَّوَاوِينَ صَارَتْ الْقُوَّةُ وَالنُّصْرَةُ بِالدِّيوَانِ، فَقَدْ كَانَ الْمَرْءُ يُقَاتِلُ قَبِيلَتَهُ عَنْ دِيوَانِهِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ جَعَلَ بِإِزَاءِ كُلِّ قَبِيلَةٍ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ لِيَكُونُوا هُمْ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ قَوْمَهُمْ فَلِهَذَا قَضَوْا بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ.

ثُمَّ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: إلْزَامُ الدِّيَةِ الْعَاقِلَةَ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ وَالصِّلَةُ الْمَالِيَّةُ مُسْتَحَقَّةٌ بِوَصْلَةِ الْقَرَابَةِ دُونَ الدِّيوَانِ كَالنَّفَقَةِ وَالْمِيرَاثِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: الْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ كَمَا قَالَ وَإِيجَابُهُ فِيمَا هُوَ صِلَةٌ أَوْلَى وَأَهْلُ دِيوَانٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الصِّلَةِ لَهُمْ بِعَيْنِ الْعَطَاءِ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَإِيجَابُ هَذِهِ الصِّلَةِ فِيمَا يَصِلُ إلَيْهِمْ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ أَوْلَى فِي إيجَابِهِ مِنْ أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ، ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ النُّصْرَةُ فَفِي حَقِّ كُلِّ قَاتِلٍ يُعْتَبَرُ مَا بِهِ تَتَحَقَّقُ النُّصْرَةُ، وَتَنَاصُرُ أَهْلِ الدِّيوَانِ يَكُونُ بِالدِّيوَانِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ قَوْمٍ يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِلْفِ فَذَلِكَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَتَى عَقَلَ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ تَعَدَّى الْحُكْمُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى إلَى الْفُرُوعِ، ثُمَّ الْقَاتِلُ أَحَدُ الْعَوَاقِلِ يَلْزَمُهُ مِنْ الدِّيَةِ مِثْلُ مَا يَلْزَمُ أَحَدَ الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَرْفُوعٌ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: ٥] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ»، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ، ثُمَّ هَذَا الْجُزْءُ كَسَائِرِ الْأَجْزَاءِ فَبِالْمَعْنَى الَّذِي نُوجِبُ سَائِرَ الْأَجْزَاءِ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ نُصْرَةٍ أَوْ صِلَةٍ نُوجِبُ هَذَا الْجُزْءَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْإِيجَابُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِدَفْعِ الْإِجْحَافِ وَالِاسْتِئْصَالِ عَنْ الْقَاتِلِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ فِي الْكُلِّ لَا فِي الْجُزْءِ، ثُمَّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ النُّصْرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَنْصُرُ نَفْسَهُ كَمَا يَنْصُرُ غَيْرَهُ وَكَمَا أَنَّهُ مَعْذُورٌ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ شَرْعًا فَالْعَاقِلَةُ لَا يُؤَاخَذُونَ بِفِعْلِهِ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤]، وَمَنْ لَمْ يَجْنِ فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ مِنْ الْجَانِي الْمَعْذُورِ، فَإِذَا أَوْجَبْنَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ جُزْءًا مِنْ الدِّيَةِ فَلَأَنْ نُوجِبَ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ أَوْلَى، وَهَذَا لِأَنَّ مَحَلَّ أَدَاءِ الْوَاجِبِ الْعَطَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ لَهُمْ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَكَمَا يَخْرُجُ الْعَطَاءُ لِغَيْرِ الْقَاتِلِ يَخْرُجُ لِلْقَاتِلِ.

وَذُكِرَ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>