- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا» وَلِأَنَّ ذَلِكَ لِلتَّخْفِيفِ وَدَفْعِ الْإِجْحَافِ عَنْ الْقَاتِلِ وَالْعَامِدُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ.
وَلَوْ قَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلًا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَدَلُ النَّفْسِ وَبَدَلُ النَّفْسِ يَكُونُ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَيُعْتَبَرُ الْجُزْءُ مِنْهُ بِالْكُلِّ وَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ لِأَهْلِ مِصْرٍ دِيوَانٌ عَلَى حِدَةٍ أَوْ كَانَ تَنَاصُرُهُمْ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ فِي السُّكْنَى وَأَهْلُ مِصْرٍ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ وَيَعْقِلُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ سُوقِهِمْ وَقُرَاهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لِأَهْلِ الْمِصْرِ، فَإِذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ اسْتَنْصَرُوا بِهِمْ فَأَهْلُ مِصْرٍ يَعْقِلُونَ عَنْهُمْ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْقُرْبِ وَالنُّصْرَةِ، وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِالْبَصْرَةِ وَدِيوَانُهَا بِالْكُوفَةِ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَنْصَرَ بِأَهْلِ دِيوَانِهِ لَا بِجِيرَانِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْقُرْبَ فِي السُّكْنَى لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ قُرْبِ الْقَرَابَةِ وَلَوْ أَنَّ أَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ دِيوَانُ أَحَدِهِمَا بِالْكُوفَةِ وَدِيوَانُ الْآخَرِ بِالْبَصْرَةِ لَمْ يَعْقِلْ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا يَعْقِلُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَهْلُ دِيوَانِهِ فَكَذَلِكَ مَا سَبَقَ.
وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ أَهْلُ دِيوَانٍ وَاحِدٍ مُخْتَلِفِينَ فِي أَنْسَابِهِمْ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ وَلَاءٌ، وَمِنْهُمْ الْقُرْبَى، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ جَنَى بَعْضُهُمْ جِنَايَةً عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ رَايَتِهِ وَأَهْلُ فِنَائِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَقْرَبَ إلَيْهِ فِي النَّسَبِ؛ لِأَنَّ اسْتِنْصَارَهُ بِأَهْلِ رَايَتِهِ أَظْهَرُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ لَا يَرْجِعُ فِي اسْتِنْصَارِهِ إلَى عَشِيرَتِهِ عَادَةً وَلِأَنَّ عَطَاءَ أَهْلِ رَايَةٍ وَاحِدَةٍ إنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهُمْ فِي ذَلِكَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ عَدَدُ أَهْلِ رَايَتِهِ قَلِيلًا ضَمَّ إلَيْهِمْ الْإِمَامُ مَنْ رَأَى مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ حَتَّى يَجْعَلَهُمْ عَاقِلَةً وَاحِدَةً لِدَفْعِ الْإِجْحَافِ عَنْ أَهْلِ رَايَتِهِ، وَإِنَّمَا يَضُمُّ إلَيْهِمْ الْإِمَامُ مَنْ يَكُونُ أَقْرَبُ إلَيْهِمْ فِي مَعْنَى النُّصْرَةِ إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ الْإِمَامُ فَجُعِلَ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِهِ لِهَذَا.
وَمَنْ لَا دِيوَانَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَنَحْوِهِمْ تَعَاقَلُوا عَلَى الْأَنْسَابِ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ مَنَازِلُهُمْ وَاخْتَلَفَتْ الْبَادِيَتَانِ؛ لِأَنَّ تَنَاصُرَهُمْ بِالْأَنْسَابِ وَلِأَنَّ حَالَهُمْ فِي مَعْنَى الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ قَضَى بِالْعَقْلِ عَلَى الْأَقَارِبِ وَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ الْبَادِيَةِ عَنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ الَّذِينَ عَوَاقِلُهُمْ فِي الْعَطَاءِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْأَمْصَارِ إنَّمَا يَقُومُ بِنُصْرَتِهِمْ وَالذَّبِّ عَنْهُمْ أَهْلُ الْعَطَاءِ مِنْ أَهْلِ دِيوَانِهِمْ لَا أَهْلُ إخْوَةِ الْبَادِيَةِ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَقَوُّونَ بِأَهْلِ الْعَطَاءِ، وَكَذَلِكَ لَا يَعْقِلُ أَهْلُ الْعَطَاءِ عَنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَقَوُّونَ بِهِمْ وَلَا يَنْصُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَإِنَّمَا يَنْصُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَهْلَ الْعَطَاءِ.
وَمَنْ جَنَى جِنَايَةً عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَيْسَ فِي عَطَاءٍ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute