كَانَ الْآمِرُ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ، فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي بِهَا الْقَاضِي عَلَى الْآمِرِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانُوا اجْتَمَعُوا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَقَضَى الْقَاضِي بِهَا لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ وَلِعَاقِلَةِ الصَّبِيِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ وَالسَّبَبُ هُوَ الْجِنَايَةُ وَذَلِكَ قَدْ وُجِدَ مِنْ الصَّبِيِّ فَيَقْضِي لِلْمَوْلَى عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ، ثُمَّ الرُّجُوعُ عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ بِسَبَبِ الْأَمْرِ وَذَلِكَ بَيْنَ الْآمِرِ وَالصَّبِيِّ فَيَقْضِي لِعَاقِلَةِ الصَّبِيِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ مِثْلَ ذَلِكَ فَكُلَّمَا أَخَذَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ مِنْ عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ شَيْئًا أَخَذَتْ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ مِنْ عَاقِلَةِ الْآمِرِ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لِدَفْعِ الْغُرْمِ عَنْ عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْغُرْمُ بِالْأَدَاءِ فَيَرْجِعُونَ بِقَدْرِ مَا أَدُّوا بِمَنْزِلَةِ رُجُوعِ الْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ إذَا كَانَ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ.
وَلَوْ أَنَّ ابْنَ الْمُلَاعَنَةِ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَقَضَى الْقَاضِي بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ فَأَدَّوْا الثُّلُثَ، ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ وَحَضَرُوا جَمِيعًا، فَإِنَّهُ يَقْضِي لِعَاقِلَةِ الْأُمِّ بِالثُّلُثِ الَّذِي أَدَّوْا عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُتَبَرِّعِينَ فِي أَدَاءِ ذَلِكَ وَيَبْدَأُ بِهِمْ فِي سَنَةِ مُسْتَقْبِلَةً قَبْلَ أَهْلِ الْجِنَايَةِ وَيَبْطُلُ الْفَضْلُ عَنْ عَاقِلَةِ الْأُمِّ وَيَقْضِي بِالثُّلُثَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ فِي السَّنَتَيْنِ بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى وَلَا يَسْتَرِدُّ مِنْ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مَا أُخِذَ مِنْ عَاقِلَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ قَضَى بِذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ فَكَانَ قَضَاؤُهُ ذَلِكَ حَقًّا يَوْمَئِذٍ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْفَضْلُ عَنْ عَاقِلَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْقَضَاءِ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ أَبِيهِ أَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى عَاقِلَةِ أَبِيهِ لَا عَاقِلَةِ أُمِّهِ وَلَا فَائِدَةَ فِي اسْتِيفَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ عَاقِلَةِ الْأُمِّ، ثُمَّ الْقَضَاءُ بِالرُّجُوعِ لَهُمْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ بَلْ يَسْتَوْفِي مَا بَقِيَ مِنْ عَاقِلَةِ الْأَبِ.
بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْآمِرِ مَعَ الصَّبِيِّ، فَإِنَّ هُنَاكَ السَّبَبَ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَبَيْنَ الْآمِرِ وَهُنَا السَّبَبُ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَعَاقِلَةِ الْأَبِ قَدْ ظَهَرَ بِدَعْوَى السَّبَبِ فَلِهَذَا قَضَى بِالْبَاقِي عَلَيْهِمْ، ثُمَّ فِي السَّنَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْقَضَاءِ لَيْسَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِعَاقِلَةِ الْأُمِّ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ بِمَا أَدَّوْا فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَحَقُّهُمْ مُقَدَّمٌ، فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ بِمَا اسْتَوْفَاهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ يَسْتَوْفِي مِنْهُمْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا شَيْئًا أَدَّى إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُمْ ثُلُثَيْ دِيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِيهِ إجْحَافٌ بِهِمْ، وَعَلَى هَذَا ابْنُ الْمُكَاتَبِ الَّذِي وَصَفْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ حِينَ اسْتَنَدَتْ حُرِّيَّةُ ابْنِهِ إلَى حَيَاةِ أَبِيهِ، وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً وَمَوْلَاهُ لِبَنِي تَمِيمٍ تَحْتَ عَبْدٍ لِرَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَعَاقِلَةُ الِابْنِ عَاقِلَةُ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَلَاءَ لَهُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ، فَإِنَّهُ عَبْدٌ وَالْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ فَيَتْبَعُ الْوَلَدُ فِيهِ أُمَّهُ إذَا انْعَدَمَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ كَمَا فِي النَّسَبِ، فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً فَلَمْ يَقْضِ بِهَا الْقَاضِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute