للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْله تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ} [الممتحنة: ٨] إلَى قَوْلِهِ: {أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ} [الممتحنة: ٨]، وَإِنْ أَرَادَ بِهَذَا بَيَانَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ، فَإِنَّ الْإِرْثَ لَا يَجْرِي مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْوِلَايَةِ وَالْخِلَافَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَبْقَى لِلْوَارِثِ الْمَالُ الَّذِي كَانَ لِلْمُوَرِّثِ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ يَقْطَعُ الْوِلَايَةَ، فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَتَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ مُبْتَدَأٍ وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوصِي بِخِلَافِ الْوَارِثِ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الرَّجُلِ يَسْتَأْذِنُ وَرَثَتَهُ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَأْذَنُونَ لَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ بَعْدَ مَوْتِهِ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ إنْ شَاءُوا رَجَعُوا وَبِهِ نَأْخُذُ، فَإِنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ الْوَرَثَةِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ إجَازَتُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَأَمَّا فِي حَيَاتِهِ فَلَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ التَّمْلِيكِ مِنْهُمْ أَوْ بِمَنْزِلَةِ إسْقَاطِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ ذَلِكَ كُلُّهُ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَتَمْلِيكُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكُوا أَوْ إسْقَاطُهُمْ لِحَقِّهِمْ قَبْلَ أَنْ يَتَقَرَّرَ وُجُوبُ الْحَقِّ لَهُمْ يَكُونُ لَغْوًا، ثُمَّ إجَازَتُهُمْ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ لَا تَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا مِنْهُمْ بِهَذَا بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كَارِهُونَ لَهُ إلَّا أَنَّهُمْ احْتَشَمُوا الْمُوَرِّثَ فَلَمْ يُجَاهِرُوهُ بِالْإِبَاءِ فَلَوْ لَزِمَهُمْ حُكْمُ الْإِجَازَةِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ تَضَرَّرُوا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِجَازَتُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْهُمْ.

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ فِي رَجُلٍ أَوْصَى لِغَيْرِ وَارِثٍ بِدَيْنٍ أَوْ أَقَرَّ بِهِ قَالَ هُوَ جَائِزٌ وَلَوْ أَحَاطَ بِمَالِهِ وَمُرَادُهُ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ لَا الْوَصِيَّةُ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ وَصِيَّةً لِذِكْرِهِ إيَّاهُ فِيمَا بَيْنَ الْوَصَايَا، وَفِي مَوْضِعِ الْوَصِيَّةِ وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَنَقُولُ الْإِقْرَارُ لِغَيْرِ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثُ بَنِينَ فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ قَالَ لَهُ الرُّبُعُ وَبِهِ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ فَهُوَ جَعَلَ نَصِيبَ أَحَدِ الْبَنِينَ مِعْيَارًا لِمَا أَوْجَبَ الْوَصِيَّةَ فِيهِ وَجَعَلَ وَصِيَّتَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ يَصِيرُ الْمُوصَى لَهُ بِالْإِيجَابِ كَابْنٍ آخَرَ لَهُ مَعَ الْبَنِينَ الثَّلَاثَةِ فَلَهُ الرُّبُعُ أَوْ يُقَالَ يُنْظَرُ فِي نَصِيبِ أَحَدِ الْبَنِينَ فَيُزَادُ عَلَى أَصْلِ السِّهَامِ مِثْلُ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ وَالْمَالُ بَيْنَ الْبَنِينَ الثَّلَاثَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِكُلِّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ سَهْمٌ، فَإِذَا زِدْنَا لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمًا عَلَى الثَّلَاثَةِ كَانَتْ السِّهَامُ أَرْبَعَةً، ثُمَّ نُعْطِيه ذَلِكَ السَّهْمَ فَيَكُونُ لَهُ الرُّبُعُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الثُّلُثَ بِهَذَا الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حِينَئِذٍ يُنَفِّذُ الْوَصِيَّةَ لَهُ فِي نَصِيبِ أَحَدِ الْبَنِينَ لَا فِي مِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ، وَهُوَ إنَّمَا أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ.

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ قَالَا فِي رَجُلٍ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ فَرَدُّوا إلَى الثُّلُثِ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَلِصَاحِبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>