للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَالِ، وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ تَبْطُلُ فِي حَقِّ الضَّرْبِ فَلِهَذَا قَالَ: الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الثُّلُثِ فَهُوَ لَهُ وَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الْغَلَّةِ اسْتَغَلَّ بِحَسَبِ غَلَّتِهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهَا، كُلُّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ كَمَا لَوْ أَوْصَى، وَإِنَّمَا يَحْبِسَ جَمِيعَ تِلْكَ الْغَلَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَمْرَضَ أَوْ يَتَعَطَّلَ فَلَا يَعْمَلُ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ وَيَحْتَاجُ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ مَحْبُوسٌ لِحَقِّهِ، فَإِنْ مَاتَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ رَدَّ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا مِمَّا يُحْبَسُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ بَطَلَتْ بِمَوْتِهِ، فَإِنَّ حَقَّهُ فِي بَدَلِ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ الْغَلَّةُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ وَارِثَهُ لَا يَخْلُفُهُ فِيمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِي الْمَنْفَعَةِ فَكَذَلِكَ فِي بَدَلِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَمْلُوكًا لَهُ وَلَكِنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ يُسْتَحَقُّ أَنْ لَوْ بَقِيَ حَيًّا وَمِثْلُ هَذَا لَا يُورَثُ، وَإِذَا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ وَزَالَتْ مُزَاحَمَتُهُ سَلَّمَ جَمِيعَ الثُّلُثِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَالْمَحْبُوسُ مِنْ الْغَلَّةِ بَدَلُ مَنْفَعَةِ جُزْءٍ مِنْ الثُّلُثِ فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ دَارِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا فَاحْتَاجَتْ الْوَرَثَةُ إلَى سُكْنَاهَا قُسِمَتْ الدَّارُ أَثْلَاثًا وَيَكُونُ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَاهَا وَاسْتَغَلَّ ثُلُثَهَا صَاحِبُ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَثُلُثَاهَا خَالِصُ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَيَجِبُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ صَرْفِ نَصِيبِهِمْ إلَى حَاجَتِهِمْ، وَهُوَ السُّكْنَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ دَارِهِ وَلِآخَرَ بِعَبْدٍ وَلِآخَرَ بِثَوْبٍ، فَإِنَّ ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ يَضْرِبُ فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا سُمِّيَ لَهُ فَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الدَّارِ كَانَ لَهُ غَلَّةُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى أَوْجَبَهُ لَهُ فَيَصِيرُ إلَيْهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ صَاحِبُ الْغَلَّةِ فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ وَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ لِزَوَالِ مُزَاحَمَتِهِ إلَّا أَنَّ هَاهُنَا إنْ كَانَ حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ قَبْلَ مَوْتِهِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَالِكًا لِمَا حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ اسْتِيفَائِهَا فِي الْحَالِ، وَهُوَ عَيْنٌ فَيَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهَا.

وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ دَارِهِ وَعَبْدِهِ فِي الْمَسَاكِينِ جَازَ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ إلَّا لِإِنْسَانٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ عَيْنُ مَالٍ يُتَصَدَّقُ بِهِ، وَهَذَا وَصِيَّةٌ بِالتَّصَدُّقِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَأَمَّا السُّكْنَى وَالْخِدْمَةُ لَا يُتَصَدَّقُ بِهِمَا بَلْ تُعَارُ الْعَيْنُ لِأَجْلِهِمَا وَالْإِعَارَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ إنْسَانٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ الْمَسَاكِينُ مُحْتَاجُونَ إلَى مَا يَسُدُّ خُلَّتَهُمْ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ لَهُمْ بِالْغَلَّةِ وَقَلَّ مَا يَحْتَاجُونَ إلَى الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى، وَقَبْلُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَا عَلَى قِيَاسِ مَنْ يُجِيزُ الْوَقْفَ، فَإِنَّ هَذَا فِي مَعْنَى وَقْفٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ.

وَمَنْ أَوْصَى بِظَهْرِ دَابَّتِهِ لِإِنْسَانٍ مَعْلُومٍ يَرْكَبُهَا فِي حَاجَتِهِ مَا عَاشَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْإِعَارَةِ مِنْهُ، وَلَوْ أَوْصَى بِظَهْرِهَا لِلْمَسَاكِينِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَانَ بَاطِلًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ جَائِزٌ، وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>