الْوَقْفَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ، وَأَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقْفُ الْمَنْقُولِ جَائِزٌ فِيمَا هُوَ مُتَعَارَفٌ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَرَوَى فِيهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَاتَ عَنْ ثَلَثِمِائَةِ فَرَسٍ وَنَيِّفٍ وَمِائَتَيْ بَعِيرٍ مَكْتُوبٌ عَلَى أَفْخَاذِهَا حَبْسٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَجَوَّزَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ وَهُمَا أَبْطَلَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهِ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ لِحَاجَتِهِ.
وَلَوْ قَالَ فِي صِحَّتِهِ غَلَّةُ دَارِي هَذِهِ أَوْ عَبْدِي هَذَا صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ، فَإِنْ رُدَّتْ بَعْدَ مَوْتِي فَهِيَ وَصِيَّةٌ مِنْ ثُلُثِي تُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى لَا يُجَوِّزُ الْوَصِيَّةَ بِالْغَلَّةِ أَصْلًا فَلَا يَأْمَنُ الْمُوصِي مِنْ أَنْ يَرْفَعَ وَرَثَتُهُ إلَى قَاضٍ يَعْتَقِدُ قَوْلَهُ فَيُبْطِلُ وَصِيَّتَهُ فَيُحَرَّزُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ وَعَلَّقَهَا بِرَدِّ الْأُولَى وَالْوَصِيَّةُ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ فِيهِ فَائِدَةُ إبْقَاءِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَحْتَالُونَ فِي إبْطَالِ الْأُولَى إذَا عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَفِيدُونَ بِذَلِكَ شَيْئًا، ثُمَّ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ، فَإِذَا رُدَّتْ الْأُولَى وَجَبَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ فَيُبَاعُ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِدَارِهِ أَوْ بِأَرْضِهِ فَجَعَلَهَا حَبْسًا عَلَى الْآخَرِ وَالْآخَرُ مِنْ وَرَثَتِهِ لَا يُبَاعُ أَبْطَلْت ذَلِكَ وَجَعَلْتهَا مِيرَاثًا لِلْحَدِيثِ: «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ - تَعَالَى -»، وَلِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَلِأَنَّهُ إنْ جُعِلَ فِي مَعْنَى الْوَقْفِ فَالْوَقْفُ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَجُوزُ وَالتَّأْيِيدُ مِنْ شَرْطِ الْوَقْفِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ.
وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ دَارِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِسُكْنَاهَا لِآخَرَ وَبِرَقَبَتِهَا لِآخَرَ وَهِيَ الثُّلُثُ فَهَدَمَهَا رَجُلٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي غَرِمَ قِيمَةَ مَا هَدَمَ مِنْ بِنَائِهَا وَتُبْنَى مَسَاكِنَ كَمَا كَانَتْ فَتُؤَجَّرُ وَيَأْخُذُ غَلَّتَهَا صَاحِبُ الْغَلَّةِ وَيَسْكُنُهَا الْآخَرُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ تَعَلَّقَ بِالْبِنَاءِ الْأَوَّلِ فَيُحَوَّلُ إلَى الْبَدَلِ، وَهُوَ الْقِيمَةُ وَطَرِيقُ إبْقَاءِ حَقِّهِمَا مِنْهُ أَنْ تُبْنَى مَسَاكِنَ كَمَا كَانَتْ لِيَكُونَ الثَّانِي قَائِمًا مَقَامَ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ الْبُسْتَانُ إذَا أَوْصَى بِغَلَّتِهِ فَقَطَعَ رَجُلٌ نَخْلَهُ أَوْ شَجَرَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِغَلَّةِ الْبُسْتَانِ تَتَنَاوَلُ الثِّمَارَ بِغَلَّةِ الدَّارِ وَالْعَبْدُ يَتَنَاوَلُ الْأُجْرَةَ، وَكَذَلِكَ بِغَلَّةِ الْأَرْضِ تَتَنَاوَلُ الْأُجْرَةَ وَالْحِصَّةُ مِنْ الْخَارِجِ إذَا وَقَعَتْ مُزَارَعَةً وَبِغَلَّةِ الْأَمَةِ يَتَنَاوَلُ الْأُجْرَةَ دُونَ الْوَلَدِ حَتَّى إنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ، وَأَنَّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ عَيْنِهَا كَالثِّمَارِ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ بِمُطْلَقِ الِاسْمِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَادَةً وَاسْمُ الْغَلَّةِ يُطْلَقُ عَلَى الثِّمَارِ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى أَوْلَادِهَا.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِغَلَّةِ دَارِهِ وَقِيمَةُ الدَّارِ أَلْفٌ وَلَهُ أَلْفَانِ سِوَى ذَلِكَ فَلِصَاحِبِ الْغَلَّةِ نِصْفُ غَلَّةِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ مَعْنًى كَالْمُوصَى لَهُ الْآخَرِ بِالثُّلُثِ بَيْنَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute