للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَنْوَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَمَّى جُزْءًا مِنْ الزَّمَانِ كَالْوَصِيَّةِ إلَيْهِ شَهْرًا أَوْ سَنَةً كَانَ وَصِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الْوَلَدُ، ثُمَّ إذَا نَصَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَهُمَا وَصِيَّانِ فَعَلَى هَذَا يَنْدَفِعُ السُّؤَالُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي حَقِّ الثَّانِي تَنْضَافُ إلَى مَا بَعْدَ قُدُومِهِ، وَفِي حَقِّ الْآخَرِ مُطْلَقَةٌ فَيَتَصَرَّفُ الْأَوَّلُ إلَى أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ إلَى وَقْتٍ أَوْ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَبْلَهُ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ صَارَ الثَّانِي وَصِيًّا وَالْأَوَّلُ وَصِيٌّ فَيَشْتَرِكَانِ فِي التَّصَرُّفِ.

وَلَوْ سَلَّمْنَاهُ فَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَيْثُ إنَّ هَهُنَا لَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا بِحَالٍ، فَإِنَّ الْعَقْدَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا مُطْلَقٌ وَفِي الْآخَرِ مُعَلَّقٌ فَأَمَّا هَهُنَا فَتَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِيمَا سِوَى النَّوْعَيْنِ اللَّذَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَالْعَقْدُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطْلَقٌ؛ وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِلَافَةِ لَهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ فَلِهَذَا تَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِبَعْضِ وَلَدِهِ وَمِيرَاثِهِمْ إلَى رَجُلٍ وَبِبَقِيَّةِ وَلَدِهِ وَمِيرَاثِهِمْ إلَى آخَرَ فَهُمَا وَصِيَّانِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمُوصِي كَانَتْ ثَابِتَةً فِي الْكُلِّ، وَهِيَ مِمَّا تَقْبَلُ النَّقْلَ إلَى الْغَيْرِ بِالْإِيصَاءِ فَيَقُومَانِ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ فِي الْمَالِ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا اسْتَوْدَعَاهُ رَجُلًا، وَإِنْ أَحَبَّا كَانَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْمَالِ إلَيْهِمَا، وَيَتَعَذَّرُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى حِفْظِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ لِأَنَّهُمَا يَنْقَطِعَانِ بِذَلِكَ عَنْ أَشْغَالِهِمَا فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَحْفَظَ نِصْفَهُ كَالْمُودِعِينَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَإِنْ أَحَبَّا اسْتَوْدَعَاهُ رَجُلًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ كَانَ وَاحِدًا كَانَ لَهُ أَنْ يُودِعَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي فِيمَا لَهُ مِنْ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَالْإِيدَاعُ يَدْخُلُ فِي هَذَا وَقَدْ يَعْجِزُ الْوَصِيُّ عَنْ الْحِفْظِ بِنَفْسِهِ لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ فَإِذَا جَازَ لِلْوَصِيِّ الْوَاحِدِ أَنْ يُودِعَ الْمَالَ جَازَ لِلْوَصِيَّيْنِ ذَلِكَ، وَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا جَازَ لَهُمَا أَنْ يُودِعَاهُ غَيْرَهُمَا فَلَأَنْ يَجُوزَ لَهُمَا أَنْ يُودِعَاهُ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ رَأْيِ الْمُوصِي كَانَ أَوْلَى.

قَالَ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِنَفْسِهِ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَيَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً وَيُشَارِكَ بِهِ لَهُمْ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ سِوَى التِّجَارَةِ فِي مَالِهِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ جَعَلَهُ قَائِمًا مُقَامَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ لِيَكُونَ الْمَالُ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ إذَا كَانَ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ دَفْعَهُ إلَى غَيْرِهِ لِلتَّصَرُّفِ كَالْوَكِيلِ.

وَلَكِنَّا نَقُولُ: هُوَ قَائِمٌ مُقَامَ الْمُوصِي فِي وِلَايَتِهِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>