للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالِ الْوَلَدِ، وَقَدْ كَانَ لِلْمُوصِي أَنْ يَفْعَلَ هَذَا كُلَّهُ فِي مَالِهِ فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَا يَكُونُ أَصْلَحَ لِلْيَتِيمِ وَأَحْسَنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: ١٥٢] وَقَالَ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: ٢٢٠] وَقَدْ يَكُونُ الْأَحْسَنُ فِي تَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ إلَى غَيْرِهِ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لِعَجْزِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ إمَّا لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ أَوْ لِقِلَّةِ هِدَايَتِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا لَمْ يُشْهِدْ الْوَصِيُّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِالْمَالِ مُضَارَبَةً كَانَ مَا اشْتَرَى لِلْوَرَثَةِ، وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمْ قَائِمٌ مُقَامَهُمْ.

وَلَوْ تَصَرَّفُوا بِأَنْفُسِهِمْ كَانَ الرِّبْحُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِمْ فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا تَصَرَّفَ، ثُمَّ هُوَ كَتَبَ أَعْمَلُ فِيهِ مُضَارَبَةً يُرِيدُ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَيْهِمْ بَعْضَ الرِّبْحِ الْحَاصِلِ، وَهُوَ لَيْسَ بِأَمِينٍ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ قَبْلَ الْعَمَلِ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِالْمَالِ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا الْإِشْهَادِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِمْ عَلَيْهِمْ بَلْ يَبْقَى بَعْضُ مَا يَحْصُلُ بِعَمَلِهِ عَلَى مِلْكِهِ وَيَجْعَلُ بَعْضَ ذَلِكَ لَهُمْ بِاعْتِبَارِ مَالِهِمْ فَلَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي تَصَرُّفِهِ؛ فَلِهَذَا يَجُوزُ.

وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ وَالْوَرَثَةُ صِغَارٌ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ أَهْلَ الْوَصِيَّةِ فَأَعْطَاهُمْ الثُّلُثَ، وَأَمْسَكَ الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مُقَامَ الْوَرَثَةِ فَإِنَّ الْمُوصِيَ أَثْبَتَ لَهُ هَذِهِ الْخِلَافَةَ لِحَاجَةِ وَرَثَتِهِ إلَى ذَلِكَ؛ وَلِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَهُ فِي النَّظَرِ لَهُمْ إلَى أَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمْ فَجَازَتْ مُقَاسَمَتُهُ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصِيَّةِ كَمَا تَجُوزُ مُقَاسَمَةُ الْوَرَثَةِ مَعَهُمْ أَنْ لَوْ كَانُوا بَالِغِينَ، فَإِنْ هَلَكَتْ حِصَّةُ الْوَرَثَةِ فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَمْ يَرْجِعُوا عَلَى أَهْلِ الْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ يَكُونُ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْهَلَاكُ فِي قَسْمِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ كَبِيرًا وَصَاحِبُ الْوَصِيَّةِ صَغِيرًا فَأَعْطَى الْوَصِيُّ الْوَارِثَ الثُّلُثَيْنِ، وَأَمْسَكَ الثُّلُثَ لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الْقِسْمَةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ حَتَّى إذَا هَلَكَ الثُّلُثُ فِي يَدِ الْوَصِيِّ كَانَ لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَارِثِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ فَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمُقَاسَمَةِ مَعَ الْوَرَثَةِ، ثُمَّ الْمُوصَى لَهُ يَتَمَلَّكُ الْمَالَ ابْتِدَاءً بِالْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَبْقَى لَهُ مَا كَانَ مِنْ الْمِلْكِ لِلْمَيِّتِ فِي الْمُقَاسَمَةِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْوَصِيِّ فِي تَمَيُّزِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لَهُ بِقَبُولِهِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَأَمَّا الْوَارِثُ فَيَخْلُفُ الْمَوْرُوثَ فِي مِلْكِهِ وَيَبْقَى لَهُ مَا كَانَ ثَابِتًا لِلْمَوْرُوثِ وَلِهَذَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ فَيَقُومُ الْوَصِيُّ مُقَامَهُ فِي تَمْيِيزِ ذَلِكَ الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْمَيِّتِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَصِحَّ هَهُنَا فَمَا هَلَكَ مِنْ الْمَالِ يَهْلَكُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَمَا يَبْقَى يَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ.

وَلَوْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا فَقَالَ الْوَصِيُّ: أَنْفَقْت عَلَيْهِمْ كَذَا دِرْهَمًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَفَقَةَ مِثْلِهِمْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ زِيَادَةَ شَيْءٍ قَلِيلٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيهِ، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ اتَّهَمُوهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْمُحْتَمَلِ مَعَ الْيَمِينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>