للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذَا ابْتَلَعَ رِيقَهُ لَمْ يَضُرَّ فَكَذَلِكَ مَا هُوَ تَبَعٌ، وَهَذَا إذَا كَانَ صَغِيرًا يَبْقَى بَيْنَ الْأَسْنَانِ عَادَةً، وَهُوَ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ ذَلِكَ الْقَدْرُ فِي فَمِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى بَيْنَ الْأَسْنَانِ عَادَةً يَفْسُدُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا تَكْثُرُ فِيهِ الْبَلْوَى، وَالتَّحَرُّزُ عَنْهُ مُمْكِنٌ وَقَدَّرُوا ذَلِكَ بِالْحِمَّصَةِ فَإِنْ كَانَ دُونَهَا لَمْ يَفْسُدْ بِهِ الصَّوْمُ وَقَدْرُ الْحِمَّصَةِ إذَا أَدْخَلَهُ فِي حَلْقِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ طَعَامٌ مُتَغَيِّرٌ فَهُوَ كَالْمُفْطِرِ بِاللَّحْمِ الْمُنْتِنِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ مَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ وَالطِّبَاعُ تَعَافُهُ فَهُوَ نَظِيرُ التُّرَابِ ثُمَّ لِلْفَمِ حُكْمُ الْبَاطِنِ مِنْ وَجْهٍ وَحُكْمُ الظَّاهِرِ مِنْ وَجْهٍ وَالْكَفَّارَةُ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ فَلِهَذَا أَسْقَطْنَا عَنْهُ الْكَفَّارَةَ

(قَالَ): رَجُلٌ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ فَلَهُ أَنْ يَصُومَهُ مُتَفَرِّقًا أَمَّا وُجُوبُ الصَّوْمِ بِنَذْرِهِ؛ فَلِأَنَّهُ عَاهَدَ اللَّهَ عَهْدًا، وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ وَاجِبٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: ٩١]، وَذَمَّ مَنْ تَرَكَ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ بِقَوْلِهِ {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة: ٧٥] الْآيَةَ ثُمَّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ شَرْعًا صَحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ، وَمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ شَرْعًا كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ إلَّا فِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ كَوْنَ الْمُنْذِرِ قُرْبَةً ثُمَّ مَا يَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ فَرْعٌ لِمَا هُوَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الصَّوْمِ مُطْلَقًا فَتَعْيِينُ وَقْتِ الْأَدَاءِ إلَى الْعَبْدِ وَالْخِيَارُ إلَيْهِ فِي الْأَدَاءِ مُتَفَرِّقًا أَوْ مُتَتَابِعًا كَقَضَاءِ رَمَضَانَ فَكَذَلِكَ مَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ صَوْمَ الشَّهْرِ عِبَادَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّلُ بَيْنَ الْأَيَّامِ وَقْتٌ لَا يَقْبَلُ الصَّوْمَ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ أَوْ يَنْوِيَهُ فَإِنَّ الْمَنْوِيَّ إذَا كَانَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ جُعِلَ كَالْمَلْفُوظِ.

(قَالَ): فَإِنْ سَمَّى شَهْرًا بِعَيْنِهِ كَرَجَبٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَهُ، وَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَكَذَلِكَ إنْ أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الصَّوْمِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ صَوْمُ رَمَضَانَ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ قَالَ: مُتَتَابِعًا، أَوْ لَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ فِي الْعَيْنِ غَيْرُ مُعْتَبِرَةٍ وَأَيَّامَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ مُتَجَاوِزَةٌ لَا مُتَتَابِعَةٌ فَلَا يَلْزَمُهُ صِفَةُ التَّتَابُعِ فِيهِ، وَإِنْ نَصَّ عَلَيْهِ، أَوْ نَوَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمَّى شَهْرًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مُعْتَبَرٌ ثُمَّ فِي الْعَيْنِ إذَا لَمْ يَصُمْهُ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُعْتَبَرٌ بِالْأَدَاءِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ.

(قَالَ): وَإِنْ كَانَ أَرَادَ يَمِينًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ سَوَاءٌ أَفْطَرَ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ، أَوْ فِي يَوْمٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>