للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى الْمُعَامَلَاتِ فَكَمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ لَا تَجُوزُ مِنْ الْمُسْلِمِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ وَرَثَتِهِ فَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ مِنْ الذِّمِّيِّ.

وَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي حُكْمِ الْإِرْثِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ

وَإِنْ أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَجُزْ لَتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا

وَإِنْ أَوْصَى الذِّمِّيُّ لِلْبِيعَةِ أَوْ لِلْكَنِيسَةِ أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهَا فِي إصْلَاحِهَا أَوْ أَوْصَى أَنْ يُبْنَى بِمَالِهِ بِيعَةٌ أَوْ كَنِيسَةٌ أَوْ بَيْتُ نَارٍ أَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُذْبَحَ لِعِيدِهِمْ أَوْ لِلْبِيعَةِ أَوْ لِبَيْتِ نَارِهِمْ ذَبِيحَةً جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.

(وَوَصَايَا أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ): مِنْهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَالْوَصِيَّةِ بِالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْإِسْرَاجِ فِي الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ فَهَذَا يَجِبُ تَنْفِيذُهُ مِنْ ثُلُثِهِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا يَجِبُ تَنْفِيذُهُ إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُسْلِمًا فَإِنَّهُمْ يَتَقَرَّبُونَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ بِزَعْمِهِمْ.

وَإِنْ كَانُوا لَا يُثَابُونَ عَلَى ذَلِكَ.

وَوَجْهٌ مِنْهَا أَنْ يُوصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا مَعْصِيَةٌ عِنْدَهُمْ كَالْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ وَالْغَزْوِ إلَى الرُّومِ إذَا كَانَ الْمُوصِي مِنْهُمْ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ الْقُرْبَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا أُمِرْنَا أَنْ نَبْنِيَ الْأَحْكَامَ عَلَى مَا يَعْتَقِدُونَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ لِأَقْوَامٍ مُعَيَّنِينَ يَصْرِفُونَهُ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فَحِينَئِذٍ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ لِأَعْيَانِهِمْ لَا لِمَعْنَى الْقُرْبَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمُسْلِمِ يُوصِي بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ لِلْمُغَنِّيَاتِ أَوْ لِلنَّائِحَاتِ، فَإِنْ كَانُوا أَقْوَامًا بِعَيْنِهِمْ يُحْصَوْنَ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ وَإِلَّا بَطَلَتْ.

وَوَجْهٌ مِنْهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَنْزِلَةِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجِبُ تَنْفِيذُهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَجْهِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهَا وَقَعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ كَانَ كَانَ الْمُوصَى لَهُ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُسْتَبْهِمَةً فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ.

وَإِنْ كَانَ لِأَقْوَامٍ مُعِينِينَ فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ مِنْهُ لَهُمْ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا كَمَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْمُوصِي فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ قَصَدَ التَّقَرُّبَ إلَى رَبِّهِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ.

وَإِنْ كَانَ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ مَعْصِيَةً فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ إصْرَارَهُ عَلَى الْكُفْرِ وَاشْتِغَالَهُ بِالْوَصِيَّةِ مَعْصِيَةٌ مِنْهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُثَابٍ عَلَى مَا يُوصِي بِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنَّ نَبْنِيَ أَحْكَامَهُمْ عَلَى مَا يَعْتَقِدُونَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّا نُجَوِّزُ التَّصَرُّفَ مِنْهُمْ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِمْ، وَإِنَّمَا نَعْتَبِرُ مَا يُظْهِرُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعْتَبِرَ حَقِيقَةَ مَا يُضْمِرُونَ فِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ فِي الْخُصُومَاتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ فِيمَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ اعْتِقَادِهِمْ لَا اعْتِقَادِ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ فِيمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ.

وَإِنْ بَنِي فِي حَيَاتِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ، ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>