مِنْ الزِّيَادَةِ دَيْنُهُ، وَتُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ فَكَانَ الْهَالِكُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْهَالِكِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ يَوْمَ تَقَعُ الْقِسْمَةُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمَالَ بِالْمَوْتِ صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ، وَالْأَصْلُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ إذَا تَوَى مِنْهُ شَيْءٌ أَنَّ الْتَوَى يَكُونُ مِنْ نَصِيبِ الشُّرَكَاءِ بِالْحِصَّةِ، وَالْبَاقِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُهُمْ بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ بِالتَّوَى بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَوْصَى لَهُ بِسُدُسِ مَالِهِ فَإِنَّمَا لَهُ سُدُسُ الْبَاقِي مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَلَوْ كَانَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ الدَّنَانِيرِ أَوْ ثُلُثِ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا غَيْرَهَا كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ كُلِّ جِنْسٍ إلَّا أَنَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ يُقَدَّمُ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عِنْدَ الْمَوْتِ مَالًا يُسَمَّى فَيَكُونُ هُوَ فِي مَعْنَى الْغَرِيمِ فِي أَنَّهُ تُقَدَّمُ حُجَّتُهُ فِي مَحَلِّهِ عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَمْوَالٌ سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ مِلْكِهِ فِيهِمَا وَقْتَ الْإِيصَاءِ لِتَصْحِيحِ الْوَصِيَّةِ فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ بِهَذَا الْإِيجَابِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَارِثِ شَرِكَةٌ بَلْ يَكُونُ حَقُّهُ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ فِي الْعَيْنِ الَّذِي ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُهُ لَهُ فَيُعْطِي لَهُ ثُلُثَ الدَّنَانِيرِ، وَثُلُثَ الدَّرَاهِمِ، وَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلْوَارِثِ فَإِنْ هَلَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ سِوَاهُمَا مَالٌ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَسْتَحِقُّ الدَّنَانِيرَ الْعَشَرَةَ مَعَ ثُلُثِ الدَّرَاهِمِ إذَا كَانَ يُخْرِجُ ثُلُثَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ فَكَانَ حَقُّهُ كَالْأَصْلِ، وَحَقُّ الْوَارِثِ فِيهِمَا كَالتَّبَعِ، وَالْأَصْلِ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَى أَصْلٍ وَتَبَعٍ إذَا هَلَكَ مِنْهُ نَجْعَلُ الْهَالِكَ مِنْ التَّابِعِ دُونَ الْأَصْلِ كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا كَانَ فِيهَا رِبْحٌ فَعَرَفْنَا أَنَّ بِهَلَاكِ بَعْضِ الْمَالِ لَا يَقُومُ شَيْءٌ مِنْ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُ جَمِيعِ وَصِيَّتِهِ مِمَّا بَقِيَ إذَا وَجَدَ شَرْطَهُ، وَهُوَ كَوْنُهُ خَارِجًا مِنْ ثُلُثِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ نِصْفُهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَنِصْفُهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ بَعْضِ الدَّنَانِيرِ لَمْ يَبْطُلْ شَيْءٌ مِنْ وَصِيَّتِهِ فَقَدْ تَبْقَى مِنْ الدَّنَانِيرِ مِقْدَارُ مَا أَوْصَى لَهُ بِمِقْدَارِهِ، وَبِبَقَاءِ ذَلِكَ يَبْقَى جَمِيعُ وَصِيَّتِهِ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَإِنَّمَا يَتَقَرَّرُ اسْتِحْقَاقُهُ فِي ثُلُثِ الْبَاقِي مِنْ الْمَالِ، وَذَلِكَ فِي الْمَالَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ فَيَكُونُ نِصْفُ حَقِّهِ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَنِصْفُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ بِأَنْ تَجْعَلَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّنَانِيرِ كَأَنَّهُ دَرَاهِمُ فَيَكُونُ مَالُهُ أَرْبَعَمِائَةٍ، لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَثُلُثُ نِصْفِ ذَلِكَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute