جَاءَ الْعُذْرُ بِسَبَبٍ مُضَافٍ إلَى الْعِبَادِ، وَهُوَ النَّوْمُ مِنْهُ وَالصَّبُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ فَسَادِ الصَّوْمِ لِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَى بَاطِنِهِ
(قَالَ): وَلِلصَّائِمِ أَنْ يَسْتَاكَ بِالسِّوَاكِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرِهِ وَكَرِهَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلصَّائِمِ السِّوَاكَ آخِرَ النَّهَارِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» وَالسِّوَاكُ يُزِيلُ الْخُلُوفَ وَمَا هُوَ أَثَرُ الْعِبَادَةِ يُكْرَهُ إزَالَتُهُ كَدَمِ الشَّهِيدِ (وَلَنَا) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» وَقَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةِ وَبِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» ثُمَّ هُوَ تَطْهِيرٌ لِلْفَمِ فَلَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ كَالْمَضْمَضَةِ وَالسِّوَاكُ لَا يُزِيلُ الْخُلُوفَ بَلْ يَزِيدُ فِيهِ إنَّمَا يُزِيلُ النَّكْهَةَ الْكَرِيهَةَ وَمُرَادُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانُ دَرَجَةِ الصَّائِمِ لَا عَيْنُ الْخُلُوفِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَعَالَى عَنْ أَنْ تَلْحَقَهُ الرَّوَائِحُ، وَدَمُ الشَّهِيدِ يَبْقَى عَلَيْهِ لِيَكُونَ شَاهِدًا لَهُ عَلَى خَصْمِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالصَّوْمُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنِ مَنْ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى فَلَا حَاجَةَ إلَى الشَّاهِدِ، وَالسِّوَاكِ الرَّطْبُ وَالْيَابِسُ فِيهِ سَوَاءٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا بَأْسَ لِلصَّائِمِ أَنْ يَسْتَاكَ بِالسِّوَاكِ الْأَخْضَرِ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يَبُلَّهُ بِالْمَاءِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا فَهُوَ نَظِيرُ الذَّوْقِ، وَإِدْخَالِ الْمَاءِ فِي فَمِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ.
(وَلَنَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَاكُ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ، وَهُوَ صَائِمٌ»
(قَالَ): وَإِذَا خَافَتْ الْحَامِلُ، أَوْ الْمُرْضِعُ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ وَلَدِهَا أَفْطَرَتْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَعَنْ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ»؛ وَلِأَنَّهُ يَلْحَقُهَا الْحَرَجُ فِي نَفْسِهَا أَوْ وَلَدِهَا، وَالْحَرَجُ عُذْرٌ فِي الْفِطْرِ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِجَانِيَةٍ فِي الْفِطْرِ وَلَا فَدِيَةَ عَلَيْهَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا فَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَّا أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الْفِدْيَةُ دُونَ الْقَضَاءِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَشْتَهِرْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: الْفِطْرُ مَنْفَعَةٌ حَصَلَتْ بِسَبَبِ نَفْسٍ عَاجِزَةٍ عَنْ الصَّوْمِ خِلْقَةً لَا عِلَّةَ فَيُوجِبُ الْفِدْيَةُ كَفِطْرِ الشَّيْخِ الْفَانِي، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ مَنْفَعَةُ شَخْصَيْنِ مَنْفَعَتُهَا وَمَنْفَعَةُ وَلَدِهَا فَبِاعْتِبَارِ مَنْفَعَتِهَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَبِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ وَلَدِهَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ.
(وَلَنَا) أَنَّ هَذَا مُفْطِرٌ يُرْجَى لَهُ الْقَضَاءُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute