لَغْوٌ فَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ جَمِيعُ وَصِيَّتِهِ قَبْلَ خُرُوجِ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ صَارَتْ مِنْهُ الْإِجَازَةُ لَغْوًا أَصْلًا وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَهُنَاكَ الْإِجَازَةُ مُؤَثِّرَةٌ بَعْدَ خُرُوجِ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِنِصْفِ الْمَالِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إذَا خَرَجَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ بَطَلَتْ الْإِجَازَةُ، وَأَمْسَكَ الِابْنُ الْمَدْيُونُ سِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ كَمَالَ حَقِّهِ، وَأَعْطَى ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ إلَى أَخِيهِ، وَقَدْ سَلَّمَ لِلْمُوصَى لَهُ كَمَالَ حَقِّهِ.
وَلَوْ كَانَ أَوْصَى بِنِصْفِ مَالِهِ فَأَجَازَ الِابْنُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَلَمْ يُجِزْ الْآخَرُ فَإِجَازَتُهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْعَيْنِ، وَلَا تَتَعَيَّنُ إجَازَتُهُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ مُسْتَوْفٍ جَمِيعَ مِيرَاثِهِ، وَلَكِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَأْخُذُ نِصْفَ الْعَيْنِ فَإِذَا خَرَجَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ اقْتَسَمَاهُ نِصْفَيْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ سِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ كَمَالَ حَقِّهِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى الِابْنِ الْمَدْيُونِ بِسِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ الْمَالُ كُلُّهُ عُلِمَتْ إجَازَتُهُ فِي حِصَّتِهِ، وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَثُلُثَا دِرْهَمٍ فَيَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَيَبْقَى لِلِابْنِ الْمَدْيُونِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا أَجَازَا، وَقَدْ سَلَّمَ الِابْنُ الْآخَرُ سِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا لَمْ يُجِيزَا.
وَإِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ ابْنَيْنِ، وَلَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَتَرَكَ دَارًا تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَالِهِ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الدَّارِ، وَلِلِابْنِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدَّارِ فِي يَدِ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ حَتَّى يَرْفَعَ إلَى الْقَاضِي الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَإِنَّ هُنَاكَ الْمَالَ الْعَيْنَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ فَنَصِيبُ الْمَدْيُونِ مِنْهُ يَأْخُذُهُ الْمُوصَى لَهُ وَالِابْنُ الْآخَرُ قَضَاءً بِمَا لَهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَهَا هُنَا نَصِيبُهُ مِنْ الدَّارِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا يَبْقَى، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ يَأْخُذُهُ لِمَا فِي أَخْذِهِ مِنْ مَعْنَى الْبَيْعِ، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ وَحْدَهُ، وَلَكِنَّهُ يُوقَفُ فِي أَيْدِيهِمَا لِمَا لَهُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْهُونِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ مَحْبُوسٌ بِالْقَبْضِ وَالِابْنُ مَحْبُوسٌ بِالْجَعْلِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ ذَلِكَ إلَى الِابْنِ الْمَدْيُونِ ازْدَادَ نَصِيبُهُ عَلَى نَصِيبِ الِابْنِ الْآخَرِ مِنْ التَّرِكَةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ثُمَّ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي فَيَقُولُ الْقَاضِي لِلِابْنِ الْمَدْيُونِ أَدِّ ثُلُثَيْ الْأَلْفِ الَّتِي لَهُمَا عَلَيْك، وَإِلَّا بِعْنَا ثُلُثَ الدَّارِ الَّذِي صَارَ لَك، وَأَوْفَيْنَا هَؤُلَاءِ حُقُوقَهُمْ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ لِلنَّظَرِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْجَانِيَيْنِ، وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِمَا ثُلُثَيْ الْأَلْفِ أَخَذَ ثُلُثَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِمَا كَمَالُ حَقِّهِمَا، وَيَصِلُ إلَيْهِ كَمَالَ حَقِّهِ أَيْضًا. وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَاعَهُ الْقَاضِي فَأَخَذَا ثَمَنَهُ نِصْفَيْنِ.
قِيلَ: هَذَا قَوْلُهُمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَبِيعُ الْقَاضِي نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ لِأَنَّ لَهُمَا عَلَيْهِ دَيْنًا، وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute