أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبِيعُ عَلَى الْمَدْيُونِ مَالَهُ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ، وَلِلْقَاضِي فِي التَّرِكَةِ وِلَايَةُ الْبَيْعِ لِمَكَانِ الدَّيْنِ فَيَبِيعُ نَصِيبَهُ، وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ حَقَّهُمَا فِيمَا عَلَيْهِ سَوَاءٌ ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَالٍ تَرَكَهُ الْمَيِّتُ سِوَى الدَّرَاهِمِ فَهُوَ وَالدَّارُ سَوَاءٌ لِأَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ الْمَدْيُونِ مِنْ هَذَا الْمَالِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ
الْمَالُ لَوْ كَانَ دَنَانِيرَ إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ يَقُولُ يَأْخُذُونَ ذَلِكَ قَضَاءً مِمَّا لَهُمَا عَلَيْهِ، وَهَذَا مَذْهَبُهُ أَيْضًا فِي صَاحِبِ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ يَأْخُذُ النَّقْدَيْنِ وَدَيْنَهُ مِنْ النَّقْدِ الْآخَرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَيْضًا لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَأَخَذَ الدَّنَانِيرِ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ يَكُونُ مُبَادَلَةً فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الَّتِي عَلَيْهِ مُبَهْرَجَةً، وَمَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ أَجْوَدُ مِنْهَا لِأَنَّهُمَا لَوْ اسْتَوْفَيَا نَصِيبَهُ مَكَانَ مَا عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَدْيُونِ فِي الْجَوْدَةِ. وَلَوْ اسْتَوْفَيَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ الَّتِي فِي الدَّارِ فَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ أَجْوَدُ مِمَّا خَلَّفَهُ الْمَيِّتُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَرَضِيَا بِأَخْذِ نَصِيبِ الْمَدْيُونِ قِصَاصًا فَلَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا تَجَوَّزَا بِدُونِ حَقِّهِمَا، وَأَسْقَطَا حَقَّهُمَا فِي الْجَوْدَةِ. وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا بِذَلِكَ كَانَتْ كَجِنْسٍ آخَرَ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُمَا لَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ اسْتِيفَاءِ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الرِّبَا، وَقَدْ انْعَدَمَ الرِّضَا مِنْهُمَا بِاسْتِيفَاءِ ذَلِكَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِمَا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ فَيُرْفَعُ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَبِيعَهُ لَهُمْ فَيُوفِيَهُمْ حَقَّهُمْ.
وَلَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ عَلَى أَحَدِ ابْنَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنًا وَتَرَكَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدَارًا تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يُوصِ بِشَيْءٍ فَالِابْنُ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَسْتَوْفِي حِصَّتَهُ مِنْ الْعَيْنِ وَيُمْنَعُ الْمَدْيُونُ مِنْ حِصَّتِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ مَكَانَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لِانْعِدَامِ الْمُجَانَسَةِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ الْمَدْيُونُ مِنْ أَخْذِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَلِّمُ لَهُ مِنْ التَّرِكَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يُسَلِّمُ لِأَخِيهِ فَيَبْقَى نَصِيبُهُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُعْطِيَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى أَخِيهِ فَإِنْ أَعْتَقَ الِابْنَ الْمَدْيُونَ الْعَبْدَ نَفَذَ الْعِتْقُ مِنْ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِنَصِيبِهِ، وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا عَنْهُ لِحَقِّ أَخِيهِ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَمَوْلَى الْإِبَاقِ إذَا أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْجُعْلِ فَإِذَا أَنْفَذَ الْعِتْقَ فِي نَصِيبِهِ كَانَ الشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ فِي نَصِيبِهِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الِابْنِ الْآخَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ الدَّيْنَ مَا تَعَلَّقَ بِمَالِيَّتِهِ. وَإِنْ كَانَ هُوَ مَحْبُوسًا فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِبَاقِ وَالْمَبِيعُ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute