سَوْدَةَ فَقَدْ كَانَتْ مُسْلِمَةً عِنْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَزَمْعَةُ قُتِلَ كَافِرًا وَعَبْدٌ كَانَ عَلَى دِينِهِ يَوْمَئِذٍ فَكَانَ هُوَ الْوَارِثُ خَاصَّةً. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُحْمَلُ هَذَا النَّسَبُ عَلَى غَيْرِهِ بِإِقْرَارِهِ، وَإِقْرَارُهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْغَيْرِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْأُخُوَّةَ لَا تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ أَبِيهِ لَا يَكُونُ أَخًا لَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يُحْمَلُ نَسَبُهُ عَلَى أَبِيهِ، وَإِنَّمَا يَقُومُ هُوَ مَقَامَ الْأَبِ فِيمَا يَخْلُفُهُ فِيهِ مِنْ الْمَالِ، وَفِي النَّسَبِ لَا يَخْلُفُهُ فَلَا يَكُونُ قَائِمًا مَقَامَهُ فِي الْإِقْرَارِ، وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ لَكَ قَضَاءٌ بِالْمِلْكِ لِعَبْدٍ فِي ذَلِكَ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ كَانَ وَلَدَ أَمَةِ أَبِيهِ، وَقَوْلُهُ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ لِتَحْقِيقِ نَفْيِ النَّسَبِ مِنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَدْ كَانَ عَاهِرًا لَا فِرَاشَ لَهُ، عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ تِلْكَ الْوَلِيدَةَ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِزَمْعَةَ، وَلَيْسَتْ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ بِسَبَبٍ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قَالَ: عِنْدَ أَبِي وَلَدٌ عَلَى فِرَاشِ أَبِي أَقَرَّ بِهِ أَبِي، فَإِنَّمَا أَقَامَهُ مَقَامَ أَبِيهِ فِي إظْهَارِ إقْرَارِهِ بِقَوْلِهِ، ثُمَّ ثُبُوتُ النَّسَبِ كَانَ بِإِقْرَارٍ مَعَهُ لَا بِإِقْرَارِ عَبْدٍ، ثُمَّ نَقُولُ: الْمُقَرُّ لَهُ يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي الْمِيرَاثِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ مَا وَرِثَ مِنْ الْأَبِ لِأَنَّ فِي كَلَامِهِ إقْرَارًا بِشَيْئَيْنِ: بِالنَّسَبِ وَبِالشَّرِكَةِ فِي الْمِيرَاثِ.
وَالنَّسَبُ إنَّمَا يُقَرُّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يَصِحَّ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْمِيرَاثِ إنَّمَا يُقِرُّ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ الْمِيرَاثِ فَصَحَّ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الشَّرِكَةُ فِي الْمِيرَاثِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ، وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ: هَذَا ابْنِي فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ فَإِنْ دَفَعَ النِّصْفَ إلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِابْنٍ آخَرَ لِأَبِيهِ وَكَذَّبَهُ الْأَوَّلُ فِيهِ، وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فِي الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ دَفَعَ النِّصْفَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَخَذَ الْآخَرُ نِصْفَ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ بِالْكَلَامِ الثَّانِي أَقَرَّ أَنَّ حَقَّهُ وَحَقَّ الثَّانِي فِي الشَّرِكَةِ سَوَاءٌ، وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفَ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ، وَلَا يَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا مِمَّا دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْمَدْفُوعِ لِأَحَدٍ، وَيُجْعَلُ مَا أَخَذَهُ الْأَوَّلُ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ كَالتَّاوِي فَيَكُونُ ضَرَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا.
وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي أَخَذَ الْآخَرُ ثُلُثَيْ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ لِإِقْرَارِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي ثُلُثِ الْمَالِ، وَأَنَّهُ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ قَدْرَ السُّدُسِ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ، وَإِنَّمَا دَفَعَهُ بَعْدَ قَضَاءٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ مَحْسُوبًا مِنْ نَصِيبِهِ فَيَدْفَعُ إلَى الْآخَرِ مِمَّا بَقِيَ فِي يَدِهِ كَمَالَ حَقِّهِ، وَهُوَ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ أَوْ مَا دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ كَالْقَائِمِ فِي يَدِهِ حُكْمًا، وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْبَاقِيَ فِي يَدِهِ ثُلُثَا التَّرِكَةِ فَيَدْفَعُ إلَى الثَّانِي نِصْفَ ذَلِكَ، وَهُوَ ثُلُثُ جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّفْعِ بِقَضَاءٍ، وَغَيْرِ قَضَاءٍ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا قَضَى دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ مِنْ التَّرِكَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute