ذَلِكَ فَالدِّيَةُ لِلْمُقَرِّ بِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا يَثْبُتُ فِي سَائِرِ الْأَقْوَادِ، فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُقَرِّ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ أَقَرَّ بِبَعْضِ مَنْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ كَانَ الْقَوَدُ لِلْمُقَرِّ بِهِ، وَإِذَا صَدَّقَهُ بِنَسَبِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الثَّابِتَ بِإِقْرَارِهِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ مَاتَ، فَالْقَوَدُ إلَيْهَا وَإِلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ صَحِيحٌ فَتَلْتَحِقُ بِامْرَأَةٍ مَعْرُوفَةٍ، فَيَكُونُ لَهَا رُبْعُ الْقَوَدِ، وَالْبَاقِي لِلْإِمَامِ إنْ شَاءَ اسْتَوْفَيَا، وَإِنْ شَاءَ صَالَحَا عَلَى الذِّمَّةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَإِنْ صَالَحَا عَلَى الْأَقَلِّ مِنْ الذِّمَّةِ كَانَ رُبْعُ ذَلِكَ لَهَا؛ لِأَنَّ صُلْحَهَا صَحِيحٌ فِي نَصِيبِهَا، وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ أَرْبَاعٍ فَيُصَالِحُ الْإِمَامُ فِيهِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ، وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ فَأَقَرَّ الْأَخُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ مَوْتِهِ بِابْنَةِ ابْنِ ابْنِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ أَنْكَرَهَا فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ فَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهَا بِنِصْفِ مِيرَاثِهِ، وَذَلِكَ مُلْزِمٌ إيَّاهُ وَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَعْطَاهَا نِصْفَ الْمَالِ ثُمَّ أَقَرَّ بِابْنَةِ ابْنِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ دَفَعَ إلَى الْأُولَى بِغَيْرِ قَضَاءٍ دَفَعَ إلَى هَذِهِ نِصْفَ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا مُسْتَحِقَّةٌ لِنِصْفِ الْمَالِ دُونَ الْأُولَى، وَمَا دَفَعَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ فَيُجْعَلُ كَالْقَائِمِ فِي يَدِهِ، وَلَوْ كَانَ دَفَعَ إلَى تِلْكَ بِقَضَاءٍ دَفَعَ إلَى هَذِهِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ بِزَعْمِهِ خَلَفَ ابْنَةَ ابْنٍ وَابْنَةَ ابْنِ ابْنٍ وَأَخًا: فَلِابْنَةِ الِابْنِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُخْرَى السُّدُسُ، وَالْبَاقِي، وَهُوَ سَهْمَانِ لِلْأَخِ وَمَا دَفَعَهُ إلَى الْأُولَى زِيَادَةً عَلَى حَقِّهَا بِقَضَاءِ قَاضٍ لَا يَكُونُ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالتَّاوِي فَتَضْرِبُ الثَّانِيَةُ فِيمَا بَقِيَ بِثُلُثِهِ، وَهُوَ سَهْمَانِ؛ فَلِهَذَا يُعْطِيهَا ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهَا هِيَ الْمُسْتَحِقَّةُ لِلنِّصْفِ، وَأَنَّ لِلْأَخِ مَا بَقِيَ بَعْدَ السُّدُسِ، وَإِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ عَمْدًا وَلَهُ أَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَأَقَرَّ الْأَخُ بِابْنَةٍ لِلْمَقْتُولِ، فَإِنَّهُ هُوَ الْخَصْمُ فِي الدِّيَةِ يُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ وَيُحْضِرُ مَعَهُ الِابْنَةَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا.
فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالدَّمِ تَرَكَا جَمِيعًا الْقَتْلَ أَوْ أَمَرَا مَنْ يَقْتُلُ بِحَضْرَتِهِمَا وَلَا يَقْتُلُ حَتَّى يَحْضُرَا؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ فِي نَصِيبِهِ بِاعْتِبَارِ زَعْمِ صَاحِبِهِ فَلَا يَقْتُلُ إلَّا بِحَضْرَتِهِمَا، فَأَمَّا الْإِثْبَاتُ بِالْبَيِّنَةِ صَحِيحٌ مِنْ الْأَخِ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الْبَيِّنَةَ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى التَّوْكِيلِ بِإِثْبَاتِ الْقَوْلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَلَوْ كَانَ الْأَخُ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ أَيْضًا الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَحْضُرَ الِابْنُ، وَالْأَخُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَخَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلدَّمِ فِي الْحُكْمِ، وَقَدْ زَعَمَ الْأَخُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ هُوَ الِابْنُ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَحْضُرَا جَمِيعًا لِإِثْبَاتِ الْقَوَدِ بِالْبَيِّنَةِ، ثُمَّ إمَّا أَنْ يَتَوَلَّيَا قَتْلَهُ أَوْ بِأَمْرِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ فَيَقْتُلُهُ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ
وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute