مِنْ نَفْسِي أَنِّي أُنْسَبُ إلَى مُخَالِفَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فِي كَتِفٍ فَلَمَّا طُعِنَ وَأَيِسَ مِنْ نَفْسِهِ دَعَا بِالْكَتِفِ وَمَحَاهُ وَقَالَ اشْهَدُوا أَنِّي أَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَا قَوْلَ لِي فِي الْكَلَالَةِ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ الْكَلَالَةَ مَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يُسْقِطُ الْأَبَ بِالْأَخِ، وَلَا أَنَّهُ يُنْقِصُ نَصِيبَهُ مِنْ السُّدُسِ بِسَبَبِ الْأَخِ وَلَمْ يَبْقَ السُّدُسُ يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ لِلْأَخِ لِأُمٍّ السُّدُسَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ كَلَالَةً وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَأَخٍ لِأُمٍّ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ جَمِيعَ الْمَالِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّدُسُ فَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ كَلَالَةً مَعَ قِيَامِ الْأَبِ عِنْدَهُ لَصَارَ ذَلِكَ السُّدُسُ لِلْأَخِ لِأُمٍّ فَيَصِيرُ الْأَبُ مَحْجُوبًا بِسَبَبِ الْأَخِ لِأُمٍّ، وَلَا يُظَنُّ بِهِ هَذَا فَعَرَفْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْكَلَالَةَ مَا خَلَا الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَأَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّ الْكَلَالَةَ مَا خَلَا الْوَلَدِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَالِدٌ فَقُلْت إنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا عَدَا الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ فَغَضِبَ فَقَالَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: ١٧٦] يَعْنِي الْكَلَالَةَ هَالِكٌ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَعَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْكَلَالَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ، وَلَا وَالِدٌ» وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ قِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: ١٧٦] وَهُوَ يَشْمَلُ الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ جَمِيعًا فَإِنَّ اسْمَ الْوَلَدِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوِلَادَةِ وَيُطْلَقُ ذَلِكَ عَلَى الْوَالِدِ لِتَوَلُّدِ الْوَلَدِ مِنْهُ وَعَلَى الْوَلَدِ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ الْوَالِدِ كَاسْمِ الذُّرِّيَّةِ يَتَنَاوَلُ الْأَوْلَادَ وَالْآبَاءَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآيَةً لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس: ٤١] يَعْنِي آبَاءَهُمْ فَسُمِّيَ الْأَبُ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّ الْوَلَدَ ذُرِيَ مِنْهُ وَسُمِّيَ بِهِ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ ذُرِيَ مِنْ الْأَبِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: ١٧٦] الْوَلَدُ وَمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْوَلَدِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ لَهُ وَلَدُ ابْنٍ لَا يَكُونُ كَلَالَةً لِوُجُودِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْوَلَدِ. فَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ أَبٌ لَا يَكُونُ كَلَالَةً لِوُجُودِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْوَلَدِ وَمِنْ حَيْثُ مَعْنَى اللُّغَةِ وَالِاشْتِقَاقِ الْحُجَّةُ فِيهِ لِعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ السَّبَبَ نَوْعَانِ سَرْدٌ وَكَلَالَةٌ فَالسَّرْدُ لَا يُتْبِعُ فَرْدًا فَرْدًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: ١١] وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ
نَسَبٌ تَوَارَثَ كَابِرٌ عَنْ كَابِرٍ ... كَالرُّمْحِ أُنْبُوبًا عَلَى أُنْبُوبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute