وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ لِأَنَّهُ يُتْبِعُ فَرْدًا فَرْدًا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْكَلَالَةَ مَا سِوَى ذَلِكَ وَمِنْ حَيْثُ الِاشْتِقَاقِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ، وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَنَّ اشْتِقَاقَ الْكَلَالَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ أَيْ أَحَاطَ بِهِ وَمِنْهُ يُقَالُ تَكَلَّلَ الْغَمَامُ السَّمَاءَ أَيْ أَحَاطَ بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَمِنْهُ الْإِكْلِيلُ فَإِنَّهُ يُحِيطُ بِجَوَانِبِ الرَّأْسِ وَمِنْهُ الْكُلُّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ وَالْإِحَاطَةُ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ لِأَنَّ اتِّصَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا فِيمَا سِوَى الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ فَإِنَّ الِاتِّصَالَ يُحِيطُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ
وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمَجْدِ لَا عَنْ كَلَالَةٍ ... عَنْ ابْنَيْ مُنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمٍ
وَقِيلَ اشْتِقَاقُ الْكَلَالَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ حَمَلَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ كَلَّ عَنْهُ أَيْ بَعُدَ وَمِنْهُ الْكَلُّ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا تَبَاعَدَ عَنْ الْمَقْصُودِ وَمَعْنَى التَّبَاعُدِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا عَدَا الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ لِكَوْنِ الِاتِّصَالِ بِوَاسِطَةٍ، أَوْ وَاسِطَتَيْنِ، أَوْ وَاسِطَاتٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَائِلِ
فَإِنَّ أَبَا الْمَرْءِ أَحْمَى لَهُ ... وَمَوْلَى الْكَلَالَةِ لَا يَغْضَبُ
فَقَدْ أَخْرَجَ الْأَبَ مِنْ الْكَلَالَةِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْكَلَالَةَ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ أَوْ لِلْوَرَثَةِ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى هُوَ اسْمٌ لِمَيِّتٍ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ هُوَ اسْمٌ لِوَرَثَةِ لَيْسَ فِيهِمْ وَلَدٌ، وَلَا وَالِدٌ وَحُجَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} [النساء: ١٢] أَيْ يُورَثُ فِي حَالِ مَا يَكُونُ كَلَالَةً فَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ كَمَا يُقَالُ ضَرَبَ زَيْدًا قَائِمًا، وَإِنَّمَا يُورَثُ الْمَيِّتُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْكَلَالَةَ صِفَةٌ لَهُ وَحُجَّةُ الْقَوْلِ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: ١٧٦] أَيْ يَسْتَفْتُونَك عَنْ الْكَلَالَةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِفْتَاءُ عَنْ وَرَثَةٍ لَيْسَ فِيهِمْ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ فَأَمَّا إذَا سُئِلَ عَنْ مَيِّتٍ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ لَا يُفْهَمُ بِهَذَا السُّؤَالِ شَيْءٌ وَالْآيَةُ قُرِئَتْ بِالنَّصْبِ بِيُورَثُ وَبِالْكَسْرِ بِوَرَثَةٍ وَالْقِرَاءَةُ بِالْكَسْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَالَةَ اسْمٌ لِلْوَرَثَةِ وَتَأْوِيلُ الْقِرَاءَةِ بِالنَّصْبِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ أَنَّ اسْمَ الْكَلَالَةِ يَتَنَاوَلُ الْوَرَثَةَ وَيَتَنَاوَلُ الْمَيِّتَ كَاسْمِ الْأَخِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ قَدْ ثَبَتَ بِالسَّنَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلَالَةِ الْوَرَثَةُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا وَعِيَالًا فَعَلَيَّ نَفَقَتُهُ» يَعْنِي كَلَالَةً إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ أَصْنَافٌ ثَلَاثَةٌ بَنُو الْأَعْيَانِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ عَيْنَ الشَّيْءِ أَتَمُّ مَا يَكُونُ مِنْهُ وَتَمَامُ الِاتِّصَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي حَقِّهِمْ وَبَنُو الْعَلَّاتِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ قَالَ الْقَائِلُ
وَيُوسُفُ إذْ دَلَّاهُ أَوْلَادُ عَلَّةٍ ... فَأَصْبَحَ فِي قَعْرِ الرَّكِيَّةِ ثَاوِيَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute