وَبَنُو الْأَخْيَافِ وَهُوَ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأُمٍّ سُمُّوا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَسٌ أَخْيَفُ إذَا كَانَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ زَرْقَاءَ وَالْأُخْرَى كَحْلًا فَنُسِبَ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ إلَى شَيْءٍ وَبِأُخْرَى إلَى شَيْءٍ آخَرَ فَحَالُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ كَذَلِكَ.
ثُمَّ نَبْدَأُ بِبَيَانِ مِيرَاثِ بَنِي الْأَخْيَافِ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ السُّورَةِ مِيرَاثَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: ١٢] أَيْ لِأُمٍّ وَهَكَذَا فِي قِرَاءَةِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُمْ أَصْحَابُ الْفَرِيضَةِ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ السُّدُسُ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى وَلِلْمَثْنَى فَصَاعِدًا مِنْهُمْ الثُّلُثُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالسَّوِيَّةِ لَا يُزَادُ لَهُمْ عَلَى الثُّلُثِ، وَإِنْ كَثُرُوا إلَّا عِنْدَ الرَّدِّ فَلَا يُنْتَقَصُ الْفَرْدُ مِنْهُمْ عَنْ السُّدُسِ إلَّا عِنْدَ الْعَوْلِ، وَهَذَا حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] وَلَفْظُ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ ذُكُورِهِمْ، وَإِنَاثِهِمْ وَالْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ يُدْلُونَ بِالْأُمِّ فَيُعْتَبَرُ مِيرَاثُهُمْ بِمِيرَاثِ الْمُدْلِي بِهِ وَلِلْأُمِّ فِي الْمِيرَاثِ حَالَانِ فَالْفَرْدُ مِنْهُمْ يُعْتَبَرُ حَالُهُ بِأَسْوَإِ حَالَيْ الْأُمِّ فَلَهُ السُّدُسُ وَالْجَمَاعَةُ مِنْهُمْ يُعْتَبَرُونَ بِأَخَسِّ حَالَيْ الْأُمِّ لِتَقَوِّي حَالِهِمْ بِالْعَدَدِ وَفِي مَعْنَى الْإِدْلَاءِ بِالْأُمِّ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ سَوَاءٌ وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى بِاعْتِبَارِ الْعُصُوبَةِ، وَلَا حَظَّ لَهُ فِي الْعُصُوبَةِ ثُمَّ هُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَمَعَ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي تَوْرِيثِهِمْ الْكَلَالَةَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْكَلَالَةَ مَا خَلَا الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُمْ لَا يَسْقُطُونَ بِبَنِي الْأَعْيَانِ وَلَا بِبَنِي الْعَلَّاتِ، وَلَا يَنْقُصُ نَصِيبُهُمْ بِبَنِي الْعَلَّاتِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَنْقُصُ نَصِيبُهُمْ بِبَنِي الْأَعْيَانِ أَمْ لَا وَبَيَانُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، أَوْ أُخْتَيْنِ، أَوْ أَخًا وَأُخْتًا وَأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ عَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْإِخْوَةِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ وَلَا شَيْءَ لِلْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَالَ عُثْمَانُ وَزَيْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الثُّلُثُ مَقْسُومٌ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ بِالسَّوِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ شُرَيْحٍ وَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْمُشَرِّكَةُ.
وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَنْفِي التَّشْرِيكَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى التَّشْرِيكِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا التَّشْرِيكُ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا نَفْيُ التَّشْرِيكِ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ التَّشْرِيكِ وَالْحِمَارِيَّةَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ وَأُمٍّ سَأَلُوا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَى بِنَفْيِ التَّشْرِيكِ كَمَا كَانَ يَقُولُهُ أَوَّلًا فَقَالُوا هَبْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute