للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الِاعْتِكَافَ وَمَا هُوَ الشَّرْطُ، وَهُوَ الصَّوْمُ يَصِحُّ مِنْهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ.

(قَالَ): وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ وَقْتٍ مَاضٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يُتَعَبَّدْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَصِحَّةُ الْأَدَاءِ بِاعْتِبَارِ إمْكَانِ الْأَدَاءِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي.

(قَالَ): وَإِنْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ ثُمَّ يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ وَيَشْرَعُ فِيهِ وَأَدَاءُ الْمَنَاسِكِ يَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ عَنْ الْإِحْرَامِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ مَضَى فِي إحْرَامِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الْحَجِّ فَحِينَئِذٍ يَدَعُ الِاعْتِكَافَ وَيَحُجُّ؛ لِأَنَّ مَا يَخَافُ فَوْتَهُ يَكُونُ أَهَمَّ فَيَبْدَأُ بِهِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الِاعْتِكَافَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ مُتَتَابِعًا فَإِذَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ لِخُرُوجِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ.

(قَالَ): وَإِنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الِاعْتِكَافُ اعْتِبَارًا لِمَا الْتَزَمَهُ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى وَشَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا لَا يَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ فَإِنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِلْعِبَادَةِ بِكَوْنِهِ أَهْلًا لِثَوَابِهَا وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِثَوَابِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ الْتَحَقَ بِكَافِرٍ أَصْلِيٍّ فَإِنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ عَمَلَهُ وَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ إذَا أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ اعْتِكَافٌ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِنَذْرِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَهَذَا مِثْلُهُ.

(قَالَ): وَإِذَا نَذَرَ الْمَمْلُوكُ اعْتِكَافًا صَحَّ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ فِي الْتِزَامِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمَوْلَى إلَّا مَا صَارَ مُسْتَثْنًى شَرْعًا وَذَلِكَ مِقْدَارُ مَا تَتَأَدَّى بِهِ الْفَرَائِضُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا يَلْتَزِمُهُ مِنْ الِاعْتِكَافِ بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ فَإِذَا أُعْتِقَ قَضَاهُ وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ٠ مِنْ الِاعْتِكَافِ الَّذِي الْتَزَمَتْهُ بِنَذْرِهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلزَّوْجِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَيْسَ لِمَوْلَاهُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِنَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ وَاَلَّذِي بَيَّنَّا فِي النَّذْرِ كَذَلِكَ فِي الشُّرُوعِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ الْإِتْمَامِ وَلِلْمَوْلَى مَنْعُ عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ بِالْإِذْنِ مَلَّكَهَا مَنَافِعَهَا، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ وَالْمَوْلَى بِالْإِذْنِ مَا مَلَّكَ الْعَبْدَ مَنَافِعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ وَلَكِنَّهُ وَعَدَ فَالْوَفَاءُ لَهُ وَخُلْفُ الْوَعْدِ مَذْمُومٌ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ مَنْعُهُ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ وَأَثِمَ، وَهُوَ قِيَاسُ الْإِحْرَامِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَحْرَمَتْ بِإِذْنِ زَوْجِهَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَالْعَبْدُ إذَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهُ وَإِنْ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ.

(قَالَ): وَإِذَا أَكَلَ الْمُعْتَكِفُ نَهَارًا نَاسِيًا لَمْ يَضُرَّهُ الْأَكْلُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْأَكْلِ لِأَجَلِ الصَّوْمِ لَا لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ حَتَّى اُخْتُصَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>