للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِوَقْتِ الصَّوْمِ وَالْأَكْلُ نَاسِيًا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ بِخِلَافِ مَا إذَا جَامَعَ نَاسِيًا فَحُرْمَةُ الْجِمَاعِ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ حَتَّى يَعُمَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ جَمِيعًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا كَانَتْ حُرْمَتُهُ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ يَسْتَوِي فِيهِ النَّاسِي وَالْعَامِدُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِحْرَامِ وَمَعْنَى الْفَرْقِ أَنَّهُ مَتَى اقْتَرَنَ بِحَالِهِ مَا يُذَكِّرُهُ لَا يُبْتَلَى فِيهِ بِالنِّسْيَانِ عَادَةً فَيُعْذَرُ لِأَجْلِهِ فَفِي الْإِحْرَامِ هَيْئَةُ الْمُحْرِمِينَ مُذَكِّرَةٌ لَهُ وَفِي الِاعْتِكَافِ كَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ مُذَكِّرًا لَهُ فَأَمَّا فِي الصَّوْمِ لَمْ يَقْتَرِنْ بِحَالِهِ مَا يُذَكِّرُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الطَّعَامِ فِي حَالَةِ الصَّوْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْأَكْلِ فِي الصَّلَاةِ سَوَّى بَيْنَ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ.

(قَالَ): وَإِذَا أُغْمِيَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَيَّامًا أَوْ أَصَابَهُ لَمَمٌ فَعَلَيْهِ إذَا بَرِئَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الِاعْتِكَافَ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطُ الْأَدَاءِ وَهُوَ الصَّوْمُ قَدْ انْعَدَمَ بِتَطَاوُلِ الْإِغْمَاءِ فَعَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ فَإِنْ صَارَ مَعْتُوهًا ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ سِنِينَ فَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الِاعْتِكَافِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ لِسُقُوطِ الْخِطَابِ عَنْهُ بِالْعَتَهِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِالْتِزَامِ تَقَرَّرَ قَبْلَ الْعَتَهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرَائِضِ الَّتِي لَزِمَتْهُ بِتَقَرُّرِ السَّبَبِ قَبْلَ الْعَتَهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِالْعَتَهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ أَهْلٌ لِثَوَابِهَا فَبَقِيَتْ ذِمَّتُهُ صَالِحَةً لِلْوُجُوبِ فِيهَا فِيمَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ

(قَالَ): وَيَلْبَسُ الْمُعْتَكِفُ وَيَنَامُ، وَيَأْكُلُ، وَيَدَّهِنُ وَيَتَطَيَّبُ بِمَا شَاءَ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي اعْتِكَافِهِ

(قَالَ): وَلَا يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ سِبَابٌ وَلَا جِدَالٌ فَإِنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا قَبْلَ الِاعْتِكَافِ وَلَا يَفُوتُ بِهِ رُكْنُ الِاعْتِكَافِ، وَهُوَ اللُّبْثُ وَلَا شَرْطُهُ، وَهُوَ الصَّوْمُ وَكَذَلِكَ إنْ سَكِرَ لَيْلًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حُرْمَةَ السُّكْرِ لَيْسَتْ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ فَلَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِيهِ

(قَالَ): وَصُعُودُ الْمُعْتَكِفِ عَلَى الْمِئْذَنَةِ لَا يُفْسِدُ اعْتِكَافَهُ أَمَّا إذَا كَانَ بَابُ الْمِئْذَنَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ وَالصُّعُودُ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ وَإِنْ كَانَ بَابُهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: هَذَا قَوْلُهُمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَنْبَنِي أَنْ يَفْسُدَ اعْتِكَافُهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَاسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ حَاجَتِهِ فَإِنَّ مَسْجِدَهُ إنَّمَا كَانَ مُعْتَكَفًا لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالْأَذَانِ وَهُوَ بِهَذَا الْخُرُوجِ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ أَصْلًا بَلْ هُوَ سَاعٍ فِيمَا يَزِيدُ فِي تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ فَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ.

(قَالَ): وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُخْرِجَ رَأْسَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى بَعْضِ أَهْلِهِ لِيَغْسِلَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اعْتِكَافِهِ كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إلَى عَائِشَةَ فَكَانَتْ تَغْسِلُهُ وَتُرَجِّلُهُ»؛ لِأَنَّهُ بِإِخْرَاجِ رَأْسِهِ لَا يَصِيرُ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>