الْجَدَّاتِ إلَّا وَاحِدَةٌ وَهِيَ أُمُّ الْأُمِّ وَتَقُومُ هِيَ مَقَامَ الْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأُمِّ فِي فَرِيضَةِ الْأُمِّ إمَّا السُّدُسُ، أَوْ الثُّلُثُ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ سِيرِينَ وَأَمَّا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ إلَّا جَدَّتَانِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا عَابَهُ فِي الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ قَالَ سَعْدٌ يَعِيبُنِي أَنْ أُوتِرَ بِرَكْعَةٍ وَهُوَ يُوَرِّثُ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ إلَّا أَنَّ أَبَانَ ذَكَرَ أَنَّ مُرَادَ سَعْدٍ مِنْ هَذَا الْأَخْذُ عَلَيْهِ فِي تَوْرِيثِ الْبُعْدَى مَعَ الْقُرْبَى لَا فِي تَوْرِيثِ ثَلَاثِ جَدَّاتٍ فِي الْأَصْلِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ سَعْدًا لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ هَلَّا يُوَرِّثُ حَوَّاءَ وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ حَمَلَا قَوْلَ سَعْدٍ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَخَذَا بِهِ فَقَالَا لَا يَرِثُ مِنْ الْجَدَّاتِ إلَّا اثْنَتَانِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. فَأَمَّا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمَا تَوْرِيثُ ثَلَاثِ جَدَّاتٍ حَتَّى ذَكَرَ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَرَّثَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ» قَالَ سُفْيَانُ فَقُلْت لِإِبْرَاهِيمَ، وَمَا هُنَّ فَقَالَ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ أُمِّ الْأَبِ وَلَكِنْ ذَكَرَ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ هَذَا الْحَدِيثَ وَذَكَرَ فِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ هِيَ أُمِّ أُمِّ الْأُمِّ وَأُمُّ أُمِّ الْأَبِ وَأُمُّ أَبٍ الْأَبِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِنَا وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لَا تَكَادُ تَصِحُّ لِمَا فِيهَا مِنْ تَوْرِيثِ الْبُعْدَى مَعَ الْقُرْبَى وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِخِلَافِ ذَلِكَ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجَدَّاتِ كَمَا يَرِثْنَ فِي الْأُصُولِ بِالْوَلَاءِ فَيُعْتَبَرُ حَالُهُنَّ بِحَالِ مَنْ يَرِثُ مِنْ الْفُرُوعِ بِالْوَلَاءِ وَهُوَ ذَوُو الْأَرْحَامِ مِنْ أَوْلَادِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَهُنَاكَ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الدَّرَجَةِ الْمِيرَاثُ لِمَنْ هُوَ وَلَدُ عَصَبَةٍ، أَوْ وَلَدُ صَاحِبِ فَرْضٍ. فَكَذَلِكَ هُنَا الْمِيرَاثُ لِمَنْ هِيَ وَالِدَةُ عَصَبَةٍ، أَوْ صَاحِبِ فَرْضٍ يُوَضِّحُهُ أَنَّ أُمَّ أَبِ الْأُمِّ تُدْلِي بِأَبِ الْأَبِ وَأَبُ الْأُمِّ لَيْسَ بِوَارِثٍ مَعَ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ وَالْعَصَبَاتِ كَأَنْ تُدْلِي بِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَرِثَ مَعَهُمْ، وَلِأَنَّ الْمُدْلِيَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ حَالًا مِنْ الْمُدْلَى بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ أُمُّ أَبِ الْأُمِّ وَأُمُّ أُمِّ الْأُمِّ مَعَ أَبِ الْأُمِّ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ الْمِيرَاثُ لِأَبٍ الْأُمِّ دُونَهُمَا وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ أَبَ الْأُمِّ إذَا انْفَرَدَ عَنْ أُمِّهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ مَعَ أُمِّهِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ الْمِيرَاثُ لِلْجَدِّ دُونَ أَبٍ الْأَبِ لِأَنَّ أُمَّ الْأَبِ تُدْلِي بِأَبِ الْأُمِّ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ مَعَ أُمِّ أُمِّ الْأُمِّ شَيْئًا فَأُمُّهُ الَّتِي هِيَ أَبْعَدُ كَيْفَ تَسْتَحِقُّ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمِيرَاثُ لِأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي حَالِ حَيَاةِ أَبِ الْأُمِّ. فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ. فَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ كَانَ يَقُولُ تَوْرِيثُ الْجَدَّاتِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْإِدْلَاءِ لِأَنَّ أُمَّ الْأُمِّ تُدْلِي بِالْأُمِّ كَمَا أَنَّ أَبَ الْأُمِّ يُدْلِي بِالْأُمِّ وَالْإِدْلَاءُ بِالْأُنْثَى إذَا كَانَ لَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ لِلذَّكَرِ لَا يُوجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute