للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالسَّبَبِ دُونَ الشَّخْصِ، ثُمَّ بَعْدَهُ الْأَبُ فَهُوَ أَقْرَبُ فِي الْعُصُوبَةِ مِنْ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ لِأَنَّهُ يَتَّصِلُ إلَى الْمَيِّتِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، ثُمَّ بَعْدَهُ الْجَدُّ أَبٌ الْأَبِ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْأُبُوَّةُ، وَفِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ نُبَيِّنُهُ فِي بَابِهِ، ثُمَّ بَعْدَهُ الْأَخُ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْعَمِّ لِأَنَّ الْأَخَ وَلَدُ ابْنِهِ وَالْعَمَّ وَلَدُ جَدِّهِ. فَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ الْقُرْبِ فِي الْفُرُوعِ فَاعْتَبِرْ كُلَّ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ فَاتِّصَالُ الْأَخِ بِأَخِيهِ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ وَاتِّصَالُ الْعَمِّ بِهِ بِوَاسِطَتَيْنِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْأَخَ أَقْرَبُ ثُمَّ الْأَخَ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَقْرَبُ مِنْ الْأَخِ لِأَبٍ وَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي الْعُصُوبَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَبِالْمِيرَاثِ لِبَنِي الْأَعْيَانِ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ»، وَلِأَنَّ الْأُخُوَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُجَاوَرَةِ فِي صُلْبٍ، أَوْ رَحِمٍ وَالْقُرْبُ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ وَالْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ جَاوَرَهُ فِي الصُّلْبِ وَالرَّحِمِ جَمِيعًا وَالْأَخُ لِأَبٍ جَاوَرَهُ فِي الصُّلْبِ خَاصَّةً فَمَا يَحْصُلُ بِهِ الْقُرْبُ فِي جَانِبِ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَظْهَرُ فَهُوَ أَقْرَبُ حُكْمًا، ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ مُقَدَّمٌ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِأَنَّهُ أَمَسُّ قُرْبًا فَإِنَّهُ يَتَّصِلُ بِالْمَيِّتِ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ وَابْنُ الْأَخِ يَتَّصِلُ بِهِ بِوَاسِطَتَيْنِ فَصَارَ الْحَاصِلُ فِي هَذَا أَنَّهُمَا إذَا اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ فَمَنْ يَكُونُ أَظْهَرَهُمَا قُرْبًا يَكُونُ أَوْلَى.

وَإِذَا تَفَاوَتَا فِي الدَّرَجَةِ فَمَنْ يَكُونُ أَمَسَّهُمَا قُرْبًا أَوْلَى، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ الْعَمُّ، ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي مَوْلَى الْعَتَاقَةِ فَقَالَ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَوْلَى الْعَتَاقَةِ آخِرُ الْعَصَبَاتِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ صَاحِبُ فَرْضٍ مَعَ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ فَعِنْدَنَا وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّدِّ وَعِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَلِكَ بَيَانُهُ فِيمَا إذَا تَرَكَ ابْنَةً وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ فَعِنْدَنَا لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ الْبَاقِي رَدٌّ عَلَيْهَا، وَلَا شَيْءَ لِمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَاسْتَدَلَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] أَيْ بَعْضُهُمْ أَقْرَبُ إلَى بَعْضٍ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ رَحِمٌ وَالْمِيرَاثُ يُبْنَى عَلَى الْقُرْبِ وَرَوَيْنَا فِي أَوَّلِ الْعَتَاقِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِعَبْدٍ فَسَاوَمَهُ» الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ، «وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ» فَقَدْ شَرَطَ فِي تَوْرِيثِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَنْ لَا يَدَعَ الْمُعْتِقُ وَارِثًا وَذَوُو الْأَرْحَامِ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ وَالْمَعْنَى فِيهِ هُوَ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ، وَلَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الْمِيرَاثُ فَيُعْتَبَرُ بِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَبِحَقِيقَتِهِ هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّوْرِيثِ الْقَرَابَةُ وَبِإِدْلَاءٍ لَا تَثْبُتُ الْقَرَابَةُ، وَلَكِنَّ الْوَلَاءَ شَبِيهٌ بِالْقَرَابَةِ شَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ»، وَمَا تَشَبَّهَ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ مُعَارِضًا لِحَقِيقَتِهِ فَكَيْفَ يَتَرَجَّحُ عَلَى حَقِيقَتِهِ بَلْ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَا يُشْبِهُ الشَّيْءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>