للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْحُكْمِ عِنْدَ انْعِدَامِ حَقِيقَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ أَضْعَفُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ فِي الْجُمْلَةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوْلَى الْأُمِّ فَظَهَرَ لَهُ وَلَاءٌ فِي جَانِبِ الْأَبِ انْعَدَمَ بِهِ الْوَلَاءُ الَّذِي كَانَ لِعُمُومِ الْأُمِّ وَالْقَرَابَةُ لَا تَحْتَمِلُ الرَّفْعَ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ يُسْتَحَقُّ الْإِرْثُ بِالْقَرَابَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَبِالْوَلَاءِ لَا يُسْتَحَقُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَالْمُعْتَقُ لَا يَرِثُ مِنْ الْمُعْتِقِ شَيْئًا وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ الزَّوْجِيَّةُ فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَمِلُ الرَّفْعَ فَالْإِرْثُ بِهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهَذَا لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ أَصْلٌ فَإِنَّ الْقَرَابَاتِ تَتَفَرَّعُ مِنْهَا فَحُكْمُ الْفَرْعِ يَثْبُتُ لِلْأَصْلِ، وَإِنْ انْعَدَمَ فِيهِ مَعْنَاهُ كَمَا يُعْطَى لِبَيْضِ الصَّيْدِ حُكْمُ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ، وَإِنْ انْعَدَمَ فِيهِ مَعْنَى الصَّيْدِ ثُمَّ إذَا ادَّعَيْنَا هَذَا فِيمَا يَنْبَنِي عَلَى الْقُرْبِ وَهُوَ الْعُصُوبَةُ فَالزَّوْجِيَّةُ لَا تَسْتَحِقُّ الْعُصُوبَةَ فَتَخْرُجُ عَلَى مَا ذُكِرَ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ أَعْتَقَتْ عَبْدًا، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ ابْنَةً فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِصْفَ مَالِهِ لِابْنَتِهِ وَالْبَاقِيَ لِابْنَةِ حَمْزَةَ» فَهُوَ نَصٌّ فِي أَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّدِّ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ فَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ الْمُعْتَقِ مُقَدَّمًا عَلَى الرَّدِّ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا هُوَ عَصَبَةٌ»، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كُنْتَ أَنْتَ عَصَبَتَهُ وَلَمْ يَقُلْ كُنْتَ وَارِثَهُ، وَفِي هَذَا التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ عَصَبَةٌ وَالْعَصَبَةُ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: ٧٥] فَسَبَبُ نُزُولِهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ آخَى بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ» فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ فَنَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ الْحُكْمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَبَيَّنَ أَنَّ الرَّحِمَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُؤَاخَاةِ وَالْوَلَاءِ وَبِهِ نَقُولُ، وَهَذَا لِأَنَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يَثْبُتُ لَهُ بِعَقْدٍ يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ وَالْفَسْخَ فَيَكُونُ ضَعِيفًا جِدًّا وَالْمَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأُبُوَّةِ صُورَةً وَمَعْنًى أَمَّا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ فَلِأَنَّ الْمُعْتَقَ يُنْسَبُ إلَى مُعْتِقِهِ بِالْوَلَاءِ كَمَا يُنْسَبُ الِابْنُ إلَى أَبِيهِ بِالْوِلَادَةِ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلِأَنَّ الْوَالِدَ كَانَ سَبَبَ إيجَادِ وَلَدِهِ وَالْمُعْتِقُ سَبَبُ إحْيَاءِ الْمُعْتَقِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الرِّقَّ تَلَفٌ وَالْحُرِّيَّةَ حَيَاةُ الْإِنْسَانِ بِصُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَالْمُعْتِقُ سَبَبٌ لِإِيجَادِ مَعْنَى الْإِنْسَانِيَّةِ فِي الْمُعْتَقِ وَهُوَ صِفَةُ الْمِلْكِيَّةِ وَبِهِ بَايَنَ الْإِنْسَانُ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ فِي الْمَعْنَى بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ.

(أَلَا تَرَى) هَذَا الْمَعْنَى يُوجَدُ مِنْ الْأَعْلَى خَاصَّةً دُونَ الْأَسْفَلِ بِخِلَافِ الْوِلَادَةِ فَحَقِيقَةُ الْعَصَبَةِ هُنَاكَ تَشْمَلُ الْجَانِبَيْنِ فَلِهَذَا يَثْبُتُ هُنَاكَ الْإِرْثُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُنَا يَثْبُتُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَعْلَى، ثُمَّ أَقْوَى مَا يُسْتَحَقُّ بِالْوَلَاءِ الْعُصُوبَةُ. فَإِذَا انْعَدَمَتْ يُقَامُ الْوَلَاءُ مَقَامَهَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْعُصُوبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>