بِهِ.
وَإِذَا تَبَيَّنَّ بِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْوَلَاءِ الْعُصُوبَةُ قُلْنَا تَقْدِيمُ الْعُصُوبَةِ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِي ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا لِأَخٍ لِأُمٍّ فَنُبَيِّنُ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ نَذْكُرُ حُكْمَهُ فَنَقُولُ أَخَوَانِ لِلْأَكْبَرِ مِنْهُمَا امْرَأَةٌ وُلِدَ بَيْنَهُمَا ابْنٌ، ثُمَّ مَاتَ الْأَكْبَرُ فَتَزَوَّجَهَا الْأَصْغَرُ وَوُلِدَ بَيْنَهُمَا ابْنٌ، ثُمَّ مَاتَ الْأَصْغَرُ وَلَهُ ابْنٌ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ مَاتَ ابْنُ الْأَكْبَرِ فَقَدْ تَرَكَ ابْنَيْ عَمٍّ وَهُمَا ابْنَا الْأَصْغَرِ أَحَدُهُمَا أَخُوهُ لِأُمِّهِ. فَأَمَّا بَيَانُ الْحُكْمِ فَنَقُولُ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ لِلْأَخِ لِأُمٍّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ بِالْعُصُوبَةِ وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ وَعَنْ عُمَرَ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ أَظْهَرُهُمَا قُرْبًا فَيَكُونُ هُوَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ تَرَكَ أَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْآخَرُ لِأَبٍ وَبَيَانُ هَذَا لِوَصْفِ الْقُرْبِ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ فَابْنُ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخُوهُ لِأُمِّهِ يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ وَمِنْ جَانِبِ الْأُمِّ وَاتِّصَالُ الْآخَرِ بِهِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ أَظْهَرُهُمَا قُرْبًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعُمُومَةَ وَالْأُخُوَّةَ فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَرَجَّحُ الَّذِي لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى الَّذِي لِأَبٍ. فَإِذَا اسْتَوَيَا كَانَ لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ سَبَبَانِ لِلْمِيرَاثِ الْفَرِيضَةُ بِالْإِخْوَةِ لِأُمٍّ وَالْعُصُوبَةُ بِالْعُمُومَةِ وَيَرِثُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السَّبَبَيْنِ وَيُجْعَلُ اجْتِمَاعُ السَّبَبَيْنِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ كَوُجُودِهِمَا فِي شَخْصَيْنِ فَيَسْتَحِقُّ السُّدُسَ بِالْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يُزَاحِمُ الْآخَرَ فِيمَا بَقِيَ بِالْعُصُوبَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّرْجِيحَ مِمَّا لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ بِانْفِرَادِهِ. فَأَمَّا مَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ بِانْفِرَادِهِ لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْجِرَاحَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَلِذَلِكَ يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِزِيَادَةِ وَصْفٍ وَهُوَ مَعْنَى الْقُوَّةِ فِي التَّأْثِيرِ، وَلَا يَتَرَجَّحُ قِيَاسَانِ عَلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السَّبَبَيْنِ هُنَا مُعْتَبَرٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِانْفِرَادِهِ فَلَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ وَالسَّبَبُ هُنَاكَ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِخْوَةُ وَالْإِخْوَةُ لِأُمٍّ فِي مَعْنَى زِيَادَةِ الْوَصْفِ فِي الْإِخْوَةِ لِأَبٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ بِهِ التَّرْجِيحُ. فَأَمَّا هُنَا الْإِخْوَةُ لِأُمٍّ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ زِيَادَةً فِي وَصْفِ الْعُمُومَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُجْعَلَ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ بِانْفِرَادِهِ فَلَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْعُمُومَةَ بِاعْتِبَارِ الْمُجَاوَرَةِ فِي صُلْبِ الْجَدِّ وَبِاعْتِبَارِ الْمُجَاوَرَةِ فِي رَحِمِ الْجَدَّةِ لَا تَسْتَحِقُّ الْفَرِيضَةَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْمُجَاوَرَةُ فِي رَحِمِ الْأُمِّ مُوجِبًا زِيَادَةَ وَصْفٍ فِي مَعْنَى الْمُجَاوَرَةِ فِي صُلْبِ الْجَدِّ. فَأَمَّا الْأُخُوَّةُ مُجَاوَرَةٌ فِي صُلْبِ الْأَبِ فَيُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْمُجَاوَرَةُ فِي رَحِمِ الْأُمِّ مُوجِبًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute