الْعُصُوبَةُ لِلِابْنِ دُونَ الْأَبِ، وَلَكِنْ فِي جَانِبِ الْأَبِ تَرْجِيحٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ الْوِلَادُ مُقَدَّمٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِهِ الْفَرِيضَةَ وَصَاحِبُ الْفَرِيضَةِ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْعَصَبَةِ فَقُلْنَا فِي الْفَرْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْوِلَادِ يُجْعَلُ الْجَدُّ مُقَدَّمًا.
وَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الْعُصُوبَةِ يُعْتَبَرُ الْإِدْلَاءُ وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي ذَلِكَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَرْجِيحٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَقَعُ التَّعَارُضُ، وَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا بِالْمُقَاسَمَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ لِأَوْلَادِ الْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ لِأَنَّ إدْلَاءَهُمْ بِالْأُمِّ، وَلَا تَأْثِيرَ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعُصُوبَةِ بِهَا وَالْمُسَاوَاةُ بِاعْتِبَارِ التَّسَاوِي فِي الْإِدْلَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلِهَذَا قُلْت إذَا مَاتَ الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ أَخًا الْمُعْتَقُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْفَرْضِيَّةِ فِي الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ، وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي مَعْنَى الْعُصُوبَةِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى كُلِّ حَالٍّ قَلَّ الْبَاقِي لَهُمَا، أَوْ كَثُرَ. فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ احْتَجَّ بِمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَلَا يَتَّقِ اللَّهَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا، وَلَا يَجْعَلُ أَبَ الْأَبِ أَبًا وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الِاتِّصَالَ بِالْقُرْبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَكُونُ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ مِثْلَيْنِ وَالْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ. فَإِذَا كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ الْجَدُّ مَيِّتًا يُجْعَلُ ابْنُ الِابْنِ قَائِمًا مَقَامَ الِابْنِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ مِنْ أَيْ جَانِبٍ كَانُوا وَكَانَ مَعْنَى الْقُرْبَى وَالِاتِّصَالِ فِي جَانِبِهِ مُرَجَّحًا. فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ ابْنُ ابْنِ الْمَيِّتِ مَيِّتًا يَكُونُ الْجَدُّ قَائِمًا مَقَامَ الْأَبِ فِي حَجْبِ جَمِيعِ الْإِخْوَةِ، وَيَكُونُ اتِّصَالُهُ وَقُرْبُهُ إلَى الْمَيِّتِ بِالْمَيِّتِ مُرَجَّحًا لِأَنَّ الِاتِّصَالَ وَاحِدٌ لَا يُعْقَلُ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ بِوَجْهٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْجَدَّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْأُبُوَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: ٢٧] وَمَنْ كُنْت ابْنَهُ فَهُوَ أَبُوك وَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ قَالُوا {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: ١٣٣] وَكَانَ إبْرَاهِيمُ جَدًّا وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَاتَّبَعْت مِلَّةَ آبَائِي إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} [يوسف: ٣٨] وَكَانَا جَدَّيْنِ لَهُ وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي الْحُكْمِ فَالْجَدُّ لَهُ مِنْ الْوِلَايَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ مَا لِلْأَبِ حَتَّى أَنَّ وِلَايَته تَعُمُّ الْمَالَ وَالنَّفْسَ جَمِيعًا بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ وَالْخِلَافَةُ فِي الْإِرْثِ نَوْعُ وِلَايَةٍ.
وَكَذَلِكَ الْجَدُّ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ وَالنَّفَقَةُ صِلَةٌ كَالْمِيرَاثِ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ فِي حُكْمِ حُرْمَةِ وَضْعِ الزَّكَاةِ وَحُرْمَةِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَحُرْمَةِ حَلِيلَتِهِ كَالنَّافِلَةِ وَالْمَنْعُ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ بِقَتْلِ النَّافِلَةِ وَثُبُوتِ حَقِّ التَّمَلُّكِ لَهُ بِالِاسْتِيلَادِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ فَإِذَا جُعِلَ هُوَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ. فَكَذَلِكَ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ وَبَعْدَ مَا تَقَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقُرْبِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَالِ بِالْعُصُوبَةِ وَهِيَ لَا تُبْنَى عَلَى الْقُرْبِ فَابْنَةُ الِابْنَةِ أَقْرَبُ مِنْ ابْنِ الْعَمِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute