الْمُقَاسَمَةُ مَا دَامَتْ خَيْرًا لَهُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، وَعِنْدَ عَلِيٍّ تُعْتَبَرُ الْمُقَاسَمَةُ مَا دَامَتْ خَيْرًا لَهُ مِنْ سُدُسِ الْمَالِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْجَدَّ إنَّمَا امْتَازَ مِنْ الْإِخْوَةِ بِمَعْنَى الْوَلَاءِ وَاسْمِ الْأُبُوَّةِ وَبِهَذَا الِاسْمِ وَالْمَعْنَى يَخْتَصُّ بِاسْتِحْقَاقِ الْفَرِيضَةِ وَفَرِيضَةُ الْأَبِ بِالنَّصِّ السُّدُسُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: ١١]، ثُمَّ الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ مَعَ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ الْأَخَ وَلَدُ مَنْ يُدْلِي بِهِ الْجَدُّ وَهُوَ الْأَبُ، ثُمَّ فَرِيضَةُ الْأَبِ مَعَ الْوَلَدِ السُّدُسُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ فَكَذَلِكَ فَرِيضَةُ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ السُّدُسُ لَا يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ بِحَالٍ وَاعْتِبَارُ الْعُصُوبَةِ لِتُوَفِّرَ الْمَنْفَعَةَ عَلَيْهِ. فَإِذَا كَانَتْ الْفَرِيضَةُ أَنْفَعَ لَهُ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُعْطَى فَرِيضَتَهُ، وَذَلِكَ السُّدُسُ وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ وَزَيْدٍ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ ابْنِي مَاتَ فَمَا لِي مِنْ مِيرَاثِهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَك السُّدُسُ فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ دَعَاهُ فَقَالَ لَك سُدُسٌ آخَرُ».
وَإِنَّمَا يُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ وَقَعَ عِنْدَهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ لِلْمَيِّتِ وَلَدًا فَجَعَلَ لَهُ السُّدُسَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا وَلَدَ لِلْمَيِّتِ فَجَعَلَ لَهُ الثُّلُثَ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ الصَّحَابَةَ وَقَالَ هَلْ سَمِعَ مِنْكُمْ أَحَدٌ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْجَدِّ شَيْئًا فَقَامَ رَجُلٌ وَقَالَ «شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى لِلْجَدِّ بِالثُّلُثِ» فَقَالَ مَعَ مَنْ كَانَ فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقَالَ لَا دَرَيْت فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ وَقَالَ «شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى لِلْجَدِّ بِالثُّلُثِ» فَقَالَ مَعَ مَنْ كَانَ فَقَالَ لَا أَدْرِي شَيْئًا فَقَالَ لَا دَرَيْت، وَإِنَّمَا يَحْمِلُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ السُّدُسَ مَعَ الْوَلَدِ وَالثُّلُثَ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْجَدَّ مَعَ الْجَدَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ مَعَ الْأُمِّ ثُمَّ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَكَانَ لِلْجَدَّةِ نِصْفُ نَصِيبِ الْأُمِّ وَهُوَ السُّدُسُ وَلِلْأَبِ الثُّلُثَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْجَدِّ نِصْفُ نَصِيبِ الْأَبِ وَهُوَ الثُّلُثُ بِالْوَلَاءِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي جَعْلِ حَظِّ الذَّكَرِ ضِعْفَ حَظِّ الْأُنْثَى وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْجَدَّ يَحْجُبُ أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ عَنْ فَرْضِهِمَا وَفَرْضُهُمَا الثُّلُثُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَكُلُّ وَارِثٍ يَحْجُبُ آخَرَ عَنْ فَرْضِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّ مَعْنَى حُجَّتِهِ فِي أَنَّهُ يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ فِي فَرْضِهِ كَالْوَلَدِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ مَعَ الْأَبِ فَإِنَّهُمَا يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ، وَلَا حَظَّ لَهُمَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ وَارِثَيْنِ مَعَ الْأَبِ وَكَلَامُنَا فِيمَنْ يَحْجُبُ غَيْرَهُ وَهُوَ وَارِثٌ وَالْفَصْلُ الثَّانِي أَنَّ عَلَى قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ وَجْهُ قَوْلِ زَيْدٍ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ عِنْدَ الِانْفِرَادِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا يُعْتَدُّ بِهِمْ لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِالْأَبِ كَمَا يُدْلِي الْجَدُّ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَائِمٌ عِنْدَ وُجُودِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَإِنَّ بِوُجُودِهِمْ لَا يَزْدَادُ مَعْنَى الْإِدْلَاءِ فِي الْجَدِّ، وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute