للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمِيعًا وَالْخَالَةُ قَرَابَتُهَا قَرَابَةُ الْأُمِّ وَبِالْأُمُومَةِ تَسْتَحِقُّ الْفَرْضِيَّةَ دُونَ الْعُصُوبَةِ فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْمُسْتَحَقَّ بِقَرَابَةِ الْأَبِ ضِعْفَ الْمُسْتَحَقَّ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ابْنَةِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ أُخْتٍ أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ مِثْلُ مَذْهَبِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ ابْنَةَ الِابْنَةِ أَوْلَى مِنْ ابْنَةِ الْأُخْتِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ كَمَذْهَبِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ. وَجْهُ قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالرَّأْيِ وَلَا نَصَّ هُنَا مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُمْ فَلَا طَرِيقَ سِوَى إقَامَةِ الْمُدْلِي مَقَامَ الْمُدْلَى بِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لِيَثْبُتَ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُدْلَى بِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ وَلَدَ عَصَبَةٍ أَوْ صَاحِبَ فَرْضٍ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ وَلَا صَاحِبِ فَرْضٍ وَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمُدْلَى بِهِ.

وَأَمَّا أَهْلُ الرَّحِمِ يَقُولُوا إنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَهُمْ بِالْوَصْفِ الْعَامِّ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ} [الأنفال: ٧٥] وَفِي هَذَا الْوَصْفِ، وَهُوَ الرَّحِمُ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ سَوَاءٌ.

وَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعُصُوبَةِ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَيَسْتَحِقُّ الْوَاحِدُ جَمِيعَ الْمَالِ ثُمَّ فِي حَقِيقَةِ الْعُصُوبَةِ تَارَةً تَكُونُ زِيَادَةُ الْقُرْبِ نُقْصَانَ دَرَجَةٍ يَعْنِي أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ بِدَرَجَةٍ وَتَارَةً بِقُوَّةِ السَّبَبِ، وَلِهَذَا قُدِّمَتْ الْبُنُوَّةُ فِي الْعُصُوبَةِ عَلَى الْأُبُوَّةِ فَكَذَلِكَ فِي مَعْنَى الْعُصُوبَةِ يَثْبُتُ التَّقْدِيمُ كَمَا يَثْبُتُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ وَوَلَدُ الِابْنَةِ أَقْوَى سَبَبًا مِنْ وَلَدِ الْأُخْتِ فَلِهَذَا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ ثُمَّ الْقَوْلُ بِمَا قَالَ بِهِ أَهْلُ التَّنْزِيلِ يُؤَدِّي إلَى قَوْلٍ فَاحِشٍ، وَهُوَ حِرْمَانُ الْمُدْلِي بِكَوْنِ الْمُدْلَى بِهِ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْرُومًا عَنْ الْمِيرَاثِ بِمَعْنًى غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ رِقُّ الْمُدْلَى بِهِ يُوجِبُ حِرْمَانَهُ لَكَانَ مَوْتُ الْمُدْلَى بِهِ مُوجِبًا حِرْمَانَهُ أَيْضًا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْحَجْبِ وَالْحِرْمَانِ لَا يُعْتَبَرُ الْمُدْلَى بِهِ فَكَذَلِكَ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ لَا يُعْتَبَرُ الْمُدْلَى بِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ اسْتِحْقَاقُهُ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ فِيهِ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعُصُوبَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: ٧] ثُمَّ لَا خِلَافَ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَوْرِيثِ بَعْضِ الْأَرْحَامِ إلَّا شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَدَّمَ ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ الْوَصْفُ الْخَاصُّ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَصْفِ الْعَامِّ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِالْوَصْفِ وَهُمْ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْوَصْفُ الْعَامُّ قَدْ اسْتَوَى فِيهِ الْفَرِيقَانِ وَيُرَجَّحُ أَصْحَابُ الْفَرَائِضِ بِاعْتِبَارِ قُوَّةِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِمْ بِالْوَصْفِ الْخَاصِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>