للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِمَا وَيَكُونُ اجْتِمَاعُ الْقَرَابَتَيْنِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ كَافْتِرَاقِهِمَا فِي شَخْصَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ لَا يَرِثُ الْوَاحِدُ بِالْقَرَابَتَيْنِ، وَإِنَّمَا يَرِثُ بِالْأَقْرَبِ مِنْهُمَا، وَهَكَذَا يَرْوِيهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ زَيْدٍ فَإِنَّ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ يُرْوَى عَنْ أَبِيهِ مِثْلُ هَذَا وَالْفَرْضِيُّونَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَا تَصِحُّ عَنْ زَيْدٍ، وَقَدْ حُفِظَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي ثَلَاثَةِ أَعْمَامٍ أَحَدُهُمْ أَخٌ لِأُمٍّ أَنَّ لِلْأَخِ لِأُمِّ السُّدُسَ بِالْأُخُوَّةِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا بِالْعُمُومَةِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ هَذَا فِي حَقِّ الْمَجُوسِيِّ بِأَنْ يَكُونَ لِلْمَجُوسِيِّ ثَلَاثَةُ بَنِينَ لِلِابْنِ الْأَكْبَرِ مِنْهُمْ امْرَأَةٌ فَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، ثُمَّ مَاتَ الْأَكْبَرُ فَتَزَوَّجَهَا الْمَجُوسِيُّ فَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجُوسِيُّ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ الْأَكْبَرُ فَقَدْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَعْمَامٍ أَحَدُهُمْ أَخٌ لِأُمٍّ، وَقَدْ وَرَّثَهُ زَيْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالسَّبَبَيْنِ جَمِيعًا فَعَرَفْنَا أَنَّ مَذْهَبَهُ كَمَذْهَبِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إنَّمَا يَرِثُ أَوْفَرَ النَّصِيبَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّمَا يَرِثُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ مِثْلُهُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ دُونَ السَّبَبِ الَّذِي لَا يَتَحَقَّقُ مِثْلُهُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَجْهُ قَوْلِ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ تَوْرِيثَهُ بِالسَّبَبَيْنِ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ شَخْصٌ وَاحِدٌ فَرْضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ وَأُمٍّ مَعَ الْأُخْتِ لِأَبٍ لَا تَرِثُ فَرْضَيْنِ بِالْأُخْتِيَّةِ لِأُمٍّ وَبِالْأُخْتِيَّةِ لِأَبٍ.

وَكَذَلِكَ الْجَدَّةُ لَا تَرِثُ فَرْضَيْنِ إنْ كَانَتْ جَدَّةً مِنْ جِهَتَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِذَا كَانَ هَذَا لَا يَثْبُتُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ تَحْقِيقِ السَّبَبَيْنِ فَكَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِخِلَافِ ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ أَوْ زَوْجٍ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ إنَّمَا يَجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْفَرْضِيَّةِ وَالْعُصُوبَةِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ كَالْأَبِ مَعَ الِابْنَةِ يَكُونُ صَاحِبَ فَرْضٍ وَعَصَبَةً، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ نَصِيبَ كُلِّ صَاحِبِ فَرِيضَةٍ فَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ بِالسَّبَبِ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ فَرِيضَتُهُ نَصًّا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ حَاجِبًا نَفْسَهُ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.

فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ ابْنَتَهُ فَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ وَلِلْمَجُوسِيِّ ابْنَةٌ أُخْرَى، ثُمَّ مَاتَ الْمَجُوسِيُّ، ثُمَّ مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ فَقَدْ مَاتَ عَنْ أُمٍّ هِيَ أُخْتُهُ لِأَبِيهِ، وَعَنْ أُخْتٍ أُخْرَى لِأَبٍ فَلَوْ اعْتَبَرْنَا السَّبَبَيْنِ فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ لَكَانَ لِلْأُمِّ السُّدُسُ بِالْفَرِيضَةِ فَتَكُونُ حَاجِبَةً نَفْسَهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ لَمَّا تَعَذَّرَ تَوْرِيثُهُ بِالسَّبَبَيْنِ رَجَّحْنَا الْأَقْرَبَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَنْبَنِي عَلَى الْقُرْبِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ مِنْ الْأَسْبَابِ عَلَى أَبْعَدِهَا وَمَنْ قَالَ: يَرِثُ أَوْفَرَ النَّصِيبَيْنِ قَالَ: الْأَقَلَّ يَدْخُلُ فِي الْأَكْثَرِ وَمَنْ قَالَ: يَرِثُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ التَّوَارُثُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: أَنَّ هَذَا السَّبَبَ ثَابِتٌ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>