وَجَعَلَ عَلَامَةَ التَّمْيِيزِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ الْآلَةَ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ سَائِرُ الْعَلَامَاتِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، ثُمَّ قَدْ يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بِالْمُعَارَضَةِ بِأَنْ يُوجَدَ فِي الْمَوْلُودِ الْآلَتَانِ جَمِيعًا فَيَقَعُ الِاشْتِبَاهُ إلَى أَنْ تَتَرَجَّحَ إحْدَاهُمَا بِخُرُوجِ الْبَوْلُ مِنْهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَنْعَدِمَ آلَةُ التَّمْيِيزِ أَصْلًا بِأَنْ لَا يَكُونَ لِلْمَوْلُودَةِ آلَةُ الرِّجَالِ وَلَا آلَةُ النِّسَاءِ وَهَذَا أَبْلَغُ جِهَاتِ الِاشْتِبَاهِ وَلِهَذَا بَدَأَ الْكِتَابُ بِهِ وَرَوَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ وَلَيْسَ بِذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى وَلَيْسَ لَهُ مَا لِلْأُنْثَى وَلَيْسَ لَهُ مَا لِلذَّكَرِ يَخْرُجُ مِنْ سُرَّتِهِ كَهَيْئَةِ الْبَوْلِ الْغَلِيظِ فَسُئِلَ عَنْ مِيرَاثِهِ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ نِصْفُ حَظِّ الْأُنْثَى وَنِصْفُ حَظِّ الذَّكَرِ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا عِنْدَنَا وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي أَمْرِهِ سَوَاءٌ وَالْمُرَادُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ فَيَتَبَيَّنُ حَالُهُ بِنَبَاتِ اللِّحْيَةِ أَوْ بِنَبَاتِ الثَّدْيَيْنِ.
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي حُكْمِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فِي الْمِيرَاثِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْعَلُ فِي الْمِيرَاثِ بِمَنْزِلَةِ الْأُنْثَى إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْوَأُ حَالِهِ أَنْ يُجْعَلَ ذَكَرًا فَحِينَئِذٍ يُجْعَلُ ذَكَرًا وَفِي الْحَاصِلِ يَكُونُ لَهُ شَرُّ الْحَالَيْنِ وَأَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لَهُ نِصْفُ مِيرَاثِ الذَّكَرِ وَنِصْفُ مِيرَاثِ الْأُنْثَى وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، أَمَّا بَيَانُ الْحَالَةِ الَّتِي تَكُونُ الذُّكُورَةُ فِيهِ شَرًّا لَهُ بِأَنْ تَرَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَشَخْصًا لِأَبٍ هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُشْكِلٌ فَإِنْ جُعِلَ ذَكَرًا لَمْ يَرِثْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمِيرَاثِ لِلزَّوْجِ وَالنِّصْفَ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَخِ لِأَبٍ شَيْءٌ وَلَوْ جُعِلَ أُنْثَى كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ فَتَعُولُ بِسَهْمٍ وَالْقِسْمَةُ مِنْ سَبْعَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُجْعَلُ ذَكَرًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لَهُ سَهْمٌ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نِصْفِ مِيرَاثِهَا أَنْ لَوْ كَانَتْ أُنْثَى، وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأَخًا لِأُمٍّ وَشَخْصًا هُوَ مُشْكِلٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَإِنْ جُعِلَ هَذَا الْمُشْكِلُ ذَكَرًا فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى فَلَهَا النِّصْفُ ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّهَا أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَتَعُولُ فَرِيضَةُ الْمَسْأَلَةِ بِثَلَاثَةٍ فَعِنْدَهُمَا يُجْعَلُ ذَكَرًا وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لَهَا ثَلَاثَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نِصْفِ مِيرَاثِهَا وَأَنْ لَوْ كَانَتْ أُنْثَى، وَبَيَانُ الْحَالِ الَّذِي تَكُونُ الْأُنُوثَةُ فِيهِ شَرًّا لَهَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ ابْنَةً وَعَصَبَتَهُ وَوَلَدًا هُوَ مُشْكِلٌ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُشْكِلُ ذَكَرًا فَلَهُ الثُّلُثَانِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَهُ الثُّلُثُ فَيُجْعَلُ أُنْثَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ نِصْفٌ فِي كُلِّ حَالَةٍ نِصْفُ الثُّلُثَيْنِ وَنِصْفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute