للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالسَّبْقِ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ، وَالْمُسَاوَاةُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، وَلِأَنَّهُ كَمَا خَرَجَ الْبَوْلُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَدْ حُكِمَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَبَالِ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مَا خَرَجَ عَلَامَةَ تَمَامِ الْفَصْلِ وَبَعْدَ مَا حُكِمَ لَهُ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ لَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِخُرُوجِ ذَلِكَ الْبَوْلِ مِنْ الْآلَةِ الْأُخْرَى فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ وَقَضَى لَهُ بِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ لَا يُلْتَفَتُ لِلْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى نَسَبَ مَوْلُودٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى لَهُ بِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ آخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْهُمَا جَمِيعًا مَعًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُورَثُ بِأَكْثَرِهِمَا بَوْلًا؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ بِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْكَثْرَةِ كَمَا يَكُونُ بِالسَّبْقِ إذْ لَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا لَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَ اللَّاحِقِ وَالسَّابِقِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ أَكْثَرُ هُوَ الْمَبَالُ فَالْحُكْمُ لِلْمَبَالِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ أَبَى ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ كَثْرَةَ الْبَوْلِ تَدُلُّ عَلَى سَعَةِ الْمَخْرَجِ وَلَا مُعْتَبَرَ لِذَلِكَ فَمَخْرَجُ بَوْلِ النِّسَاءِ أَوْسَعُ مِنْ مَخْرَجِ بَوْلِ الرِّجَالِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْكَثْرَةَ وَالْقِلَّةَ تَظْهَرُ فِي الْبَوْلِ لَا فِي الْمَبَالِ، وَالْآلَةُ الْفَصْلُ الْمَبَالُ دُونَ الْبَوْلِ، وَبِاعْتِبَارِ السَّبْقِ يَأْخُذُ السَّابِقُ اسْمَ الْمَبَالِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْآخَرُ ذَلِكَ الِاسْمَ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَقَدْ أَخَذَا اسْمَ الْمَبَالِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ لَا يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَقِلَّتِهِ ثُمَّ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَقْبَحَ التَّرْجِيحَ بِالْكَثْرَةِ عَلَى مَا يُحْكَى عَنْهُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا قَالَ بَيْنَ يَدَيْهِ يُورَثُ مِنْ أَكْثَرِهِمَا بَوْلًا قَالَ يَا أَبَا يُوسُفَ وَهَلْ رَأَيْت قَاضِيًا يَكِيلُ الْبَوْلَ بِالْأَوَانِي؟، فَقَدْ اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقُبْحِ وَتَوَقَّفَ فِي الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِلتَّمْيِيزِ بِالرُّجُوعِ إلَى الْمَعْقُولِ وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا فَتَوَقَّفَ وَقَالَ: لَا أَدْرِي، وَهَذَا مِنْ عَلَامَةِ فِقْهِ الرَّجُلِ وَوَرَعِهِ أَنْ لَا يَخْبِطَ فِي الْجَوَابِ عَلَى مَا حُكِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ لَا أَدْرِي ثُمَّ قَالَ بَخٍ بَخٍ، لِابْنِ عُمَرَ سُئِلَ عَمَّا لَا يَدْرِي فَقَالَ لَا أَدْرِي وَكَذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالَا إذَا اسْتَوَيَا فِي الْمِقْدَارِ لَا عِلْمَ لَنَا بِذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ وَقَفَ فِيهِ عَلَى دَلِيلٍ لِيَكُونَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ بِقَضَايَا فِيهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَذَا الَّذِي هُوَ مُشْكِلٌ لَا يَخْلُو إذَا بَلَغَ هَذِهِ الْمَعَالِمَ وَإِنَّمَا لَا يَبْقَى الْإِشْكَالُ فِيهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَزُولَ الْإِشْكَالُ بِظُهُورِ عَلَامَةٍ فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا جَامَعَ بِذَكَرِهِ أَوْ خَرَجَتْ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ احْتَلَمَ كَمَا يَحْتَلِمُ الرِّجَالُ فَهُوَ رَجُلٌ وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ فِي بَاطِنِهِ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، وَقَوْلُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا مَقْبُولٌ فِيمَا يُخْبِرُ عَمَّا فِي بَاطِنِهِ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>