قَضَيْت بِبَيِّنَةِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَقَامَ مَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهَا وَهِيَ أَقَامَتْ مَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَبَيِّنَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَضَيْت بِهَا لَهُ؛ لِأَنَّ إبْطَالَ الْبَيِّنَتَيْنِ بِحُكْمِ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُسَاوَاةِ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ وَشَهَادَةِ الْكُفَّارِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِينَ مَرْدُودَةً لِمَكَانِ شَهَادَةِ الْكُفَّارِ.
وَإِذَا مَاتَ هَذَا الْخُنْثَى فَادَّعَتْ أُمُّهُ مِيرَاثَ غُلَامٍ وَجَحَدَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ وَأَقَرَّ الْوَصِيُّ بِهِ قَالَ إذَا جَاءَتْ الْأَمْوَالُ وَالدُّيُونُ لَمْ أُصَدِّقْ الْوَصِيَّ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الدَّعْوَى وَالْجُحُودِ الْحَاجَةُ إلَى حُجَّةٍ حُكْمِيَّةٍ، وَقَوْلُ الْوَصِيِّ لَا يَكْفِي لِذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَعْوَى الْمَالِ فَأَخْبَرَ الْوَصِيُّ أَنَّهُ غُلَامٌ أَوْ جَارِيَةٌ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَهُوَ لَوْ أَخْبَرَ بِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ كَانَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا إذَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إلْزَامِ الْغَيْرِ فَكَذَلِكَ قَوْلُ الْوَصِيِّ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ أَخَاهُ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً ثُمَّ مَاتَ الْخُنْثَى فَقَالَ الْوَصِيُّ هُوَ غُلَامٌ وَقَالَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ هُوَ جَارِيَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ الْأَخُ إلَّا فِي نَصِيبِهِ يَرِثُ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَحَدُ وَرَثَةِ الْخُنْثَى وَقَدْ أَقَرَّ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِ وَأَنَّ لَهَا مِنْهُ مِيرَاثَ النِّسَاءِ، وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِوَارِثٍ آخَرَ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ أَوْ النِّكَاحِ صُدِّقَ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَصْلُ النَّسَبِ بِإِقْرَارِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَخٌ آخَرُ فَأَقَرَّ أَنَّهُ جَارِيَةٌ وَزَوَّجَهُ رَجُلًا ثُمَّ مَاتَ الْخُنْثَى وَهُوَ مُرَاهِقٌ لَمْ يَتَبَيَّنْ حَالُهُ فَنِكَاحُ الْأَوَّلِ جَائِزٌ عَلَى الزَّوْجِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الثَّانِي عَلَى الثَّانِي وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ يَسْتَنِدُ بِالْعَقْدِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَحِينَ زَوَّجَهُ أَحَدَهُمَا لَا يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ لِيَكُونَ الْمُزَوِّجُ وَلِيًّا، وَلَوْ جَعَلْنَا النِّكَاحَ مِنْ الثَّانِي مُعْتَبَرًا كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ لَا وَجْهَ لَهُ وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَيَا تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِالسَّبْقِ فَيَتَعَيَّنُ جِهَةُ الْبُطْلَانِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي وَبِالْعَقْدِ الْبَاطِلِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَيَّهمَا أَوَّلُ أَبْطَلْت ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَمْ أُوَرِّثْهُمَا شَيْئًا لِتَحَقُّقِ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَتَنَافِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَيَجُوزُ عِتْقُ هَذَا الْخُنْثَى عَنْ الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ رَقَبَةٌ مُطْلَقَةٌ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى عَلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ لَا مَحَالَةَ. وَلَا يَحْضُرُ - إنْ كَانَ مُرَاهِقًا - غُسْلَ امْرَأَةٍ وَلَا رَجُلٍ كَمَا لَا يُغَسِّلُهُ إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ لِتَوَهُّمِ نَظَرِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ.
وَإِذَا زُوِّجَ خُنْثَى مِنْ خُنْثَى وَهُمَا مُشْكِلَانِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا رَجُلٌ وَالْآخَرَ امْرَأَةٌ لَمْ أُجِزْ النِّكَاحَ وَلَمْ أُبْطِلْهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ بَيْنَ الْوَلِيَّيْنِ فَلَا يُحْكَمُ بِبُطْلَانِهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ وَلَا يُحْكَمُ بِجَوَازِهِ لِتَوَهُّمِ كَوْنِهِمَا أُنْثَيَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute