الْفَرْقِ بَيْنَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ. قَالَ: وَلَيْسَ يَكُونُ الْخُنْثَى مُشْكِلًا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ عَلَى حَالٍ مِنْ الْحَالَاتِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ تَحْبَلَ أَوْ تَحِيضَ أَوْ تَخْرُجَ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ يَكُونَ لَهُ ثَدْيَانِ كَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ حَالُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ رَجُلٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ نَبَاتِ الثَّدْيَيْنِ يَكُونُ دَلِيلًا شَرْعِيًّا عَلَى أَنَّهُ رَجُلٌ، وَإِذَا قَالَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ هُوَ غُلَامٌ أَوْ قَالَ هِيَ جَارِيَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُشْكِلٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الصَّغِيرِ فَيَكُونُ إخْبَارُهُ بِذَلِكَ كَإِخْبَارِ الْخُنْثَى بِنَفْسِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْخُنْثَى بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ وَهُوَ مُرَاهِقٌ فَأَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهُ عَلَى هَذَا الْوَصِيفِ فَأَمَرَ بِدَفْعِهِ إلَيْهَا وَأَنَّهُ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ وَأَنَّهُ قَدْ طَلَّقَهَا فِي حَيَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَوَجَبَ لَهُ نِصْفُ هَذَا الْعَبْدِ، وَأَقَامَتْ امْرَأَةٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا إيَّاهُ فِي حَيَاتِهِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنَّهُ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الْغُلَامِ فَإِنْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتَيْنِ فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ دَعْوَاهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ غَيْرُهُ فِيهِ وَالْإِبْطَالُ لِلْمُعَارَضَةِ وَقَدْ انْعَدَمَ هَذَا، وَإِنْ لَمْ تُوَقَّتْ الْبَيِّنَتَانِ وَلَا يُعْرَفُ أَيُّهُمَا أَوَّلٌ أَبْطَلْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ اسْتَوَيَا فِي مَعْنَى الْإِثْبَاتِ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إثْبَاتُ النِّكَاحِ وَالْمِيرَاثِ وَإِثْبَاتُ الْمَهْرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي نِصْفِ الْوَصِيفِ وَالْمَرْأَةُ تُثْبِتُ الْمَهْرَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْتَنِعٌ فَلِلتَّعَارُضِ قُلْنَا بِأَنَّهُ تَبْطُلُ الْبَيِّنَتَانِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَهُنَاكَ إثْبَاتُ الْمَهْرِ فِي بَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ دُونَ بَيِّنَةِ الرَّجُلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهَا إيَّاهُ بِرِضَاهَا وَأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ هَذَا الْغُلَامَ أَبْطَلْت ذَلِكَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ إثْبَاتُ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ فَاسْتَوَيَا وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ، وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ الْحَقُّ مِنْهُمَا أَبْطَلْت ذَلِكَ كُلَّهُ، وَلَوْ قَامَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقَضَى الْقَاضِي بِهَا ثُمَّ جَاءَتْ الْأُخْرَى لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا؛ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فَمِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ بِصِدْقِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ الْحُكْمُ بِكَذِبِ الْفَرِيقِ الثَّانِي هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ.
وَقَعَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ تَشْوِيشٌ فِي الرِّوَايَةِ فَقَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ وَقَامَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَلَمْ يُوَقِّتَا وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِنِّي أُبْطِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَأَرُدُّهُ، وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْخُنْثَى فَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بَيِّنَةَ الْمَرْأَةِ أَوْلَى لِمَا فِي بَيِّنَتِهَا مِنْ إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ وَهُوَ الْمَهْرُ.
وَلَوْ كَانَ الْخُنْثَى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادَّعَى مُسْلِمٌ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهُ إيَّاهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى وَأَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ زَوْجُهَا وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute