الْوَرَعِ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَشْتَغِلُ فِي شَرْحِ مَسَائِلِ كُتُبِ الْحِسَابِ بِطَرِيقِ الْحِسَابِ.
وَيَقُولُونَ: إنَّا لَا نَقِفُ عَلَى حَقِيقَةِ تِلْكَ الطُّرُقِ وَلَا نَدْرِي أَنَّهَا تُوَافِقُ فِقْهَ الشَّرِيعَةِ أَمْ لَا، وَلَيْسَ فِي الِاشْتِغَالِ بِهَا كَثِيرُ فَائِدَةٍ فَيُكْتَفَى بِمَا هُوَ طَرِيقُ الْفُقَهَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَمِنْهُمْ مَنْ اشْتَغَلَ بِذِكْرِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ وَقَالُوا: إنَّ الْحِسَابَ كَسْبِيٌّ فِي الِابْتِدَاءِ ضَرُورِيٌّ فِي الِانْتِهَاءِ، وَفِي الْفِقْهِ كَسْبِيٌّ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَدْرِي أَيُصِيبُ يَقِينًا أَمْ لَا وَبَعْدَ مَا اجْتَهَدَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ أَصَابَ يَقِينًا أَمْ لَا وَفِي الْحِسَابِ نَتَيَقَّنُ إنْ أَصَابَ فِي الِابْتِدَاءِ فَهُوَ ضَرُورِيٌّ فِي الِانْتِهَاءِ فَذَكَرَ طَرِيقَ الْحِسَابِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ لِبَيَانِ أَنَّهُ قَدْ يُسْتَدَلُّ بِطَرِيقِ الْفِقْهِ عَلَى مَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الضَّرُورِيِّ فِي الِانْتِهَاءِ وَقَدْ ذَكَرْنَا طُرُقَ الْحِسَابِ فِي بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ فَيُكْتَفَى فِي بَيَانِ مَسَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ بِمَا اعْتَمَدَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا طَرِيقُ التَّعْمِيمِ وَقَدْ سَمَّاهُ ثُمَّ الْكَسْرُ وَالتَّعْمِيمُ هُوَ الْأَصْلُ فَنَقُولُ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَابْنَةً وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ فَأَجَازَ الِابْنُ وَلَمْ تُجِزْ الِابْنَةُ فَالْقِسْمَةُ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَهْمًا لِلِابْنَةِ عَشَرَةٌ وَلِلِابْنِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَلِلْمُوصَى لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّا نُصَحِّحُ الْوَصِيَّةَ لَوْ أَجَازَا جَمِيعًا فَنَقُولُ: عِنْدَ إجَازَتِهِمَا تَكُونُ الْفَرِيضَةُ مِنْ خَمْسَةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ الْمَالُ بَيْنَ الِابْنِ وَالِابْنَةِ أَثْلَاثًا وَقَدْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ وَمِثْلُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ فَيَزْدَادُ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ فَتَكُونُ الْفَرِيضَةُ مِنْ خَمْسَةٍ ثُمَّ تُصَحَّحُ الْفَرِيضَةُ؛ لَوْ لَمْ يُجِزْ فَنَقُولُ: الْفَرِيضَةُ مِنْ تِسْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَأْخُذُ ثُلُثَ الْمَالِ وَالْبَاقِي بَيْنَ الِابْنِ وَالِابْنَةِ أَثْلَاثًا فَتَكُونُ الْفَرِيضَةُ مِنْ تِسْعَةٍ فَإِذَا أَجَازَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُجِزْ الْآخَرُ فَالسَّبِيلُ أَنْ نَضْرِبَ تِسْعَةً فِي خَمْسَةٍ فَيَكُونُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ خَمْسَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَهُوَ الثُّلُثُ مِنْ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ بِلَا مِنَّةِ الْإِجَازَةِ وَلِلِابْنَةِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُجِزْ الْوَصِيَّةَ فَتَأْخُذُ كَمَالَ حَقِّهَا مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَالِابْنُ قَدْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ وَبِاعْتِبَارِ الْإِجَازَةِ حَقُّهُ فِي خُمُسَيْ الْمَالِ وَكُلُّ خُمُسٍ تِسْعَةٌ؛ فَلَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَهُوَ يَأْخُذُ مِنْ الْبَاقِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَيَدْفَعُ سَهْمَيْنِ إلَى الْمُوصَى لَهُ فَيَحْصُلُ لِلْمُوصَى لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَلِلِابْنِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَإِذَا لَمْ تُجِزْ الِابْنَةُ أَخَذَتْ حَقَّهَا عَشَرَةً فَانْتَقَصَ بِمَا كَانَ يُسَلَّمُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْإِجَازَةِ سَهْمٌ وَبَقِيَ سَهْمَانِ وَضَرَرُ الْإِجَازَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ نَصِيبِهِمَا وَالتَّفَاوُتُ مَا بَيْنَ حَالَةِ الْإِجَازَةِ وَعَدَمِ الْإِجَازَةِ لِلْمُوصَى لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِ الِابْنِ وَسَهْمٌ مِنْ نَصِيبِ الِابْنَةِ، وَالِابْنُ قَدْ رَضِيَ بِالْتِزَامِ هَذَا الضَّرَرِ وَرِضَاهُ يَعْمَلُ فِي نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ الِابْنَةِ فَلِهَذَا دَفَعَ سَهْمَيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ إلَى الْمُوصَى لَهُ.
فَإِنْ قِيلَ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنِينَ وَأَوْصَى لِشَخْصٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ وَلِآخَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute