للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تِلْكَ الْمُدَّةِ وَهُوَ عَارِضٌ فَيُحَالُ بِحُدُوثِهِ عَلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ

وَهَذَا حَالَ كَوْنِهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِذَا ادَّعَى اسْتِنَادَ الْعَيْبِ إلَى وَقْتٍ سَابِقٍ وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ مَعَ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْبَيْعِ اللُّزُومُ فَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي لِنَفْسِهِ حَقَّ الْفَسْخِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ أَنَا أَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ يَعْنِي يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي حَتَّى أَقْبَلَهُ مِنْهُ فَعِنْدَنَا لَا يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا اتَّهَمَ الْمُدَّعِيَ فِي ذَلِكَ رَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ قَالَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ وَجْهٍ مُنْكِرٌ؛ فَإِنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ إيَّاهُ وَوُجُوبَ إبْقَاءِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِرِ مُدَّعٍ فَاعْتَبَرْنَا الظَّاهِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مُتَّهَمًا.

فَأَمَّا إذَا اتَّهَمَهُ اسْتَحْلَفَهُ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْإِنْكَارِ فِي كَلَامِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ مَشْرُوعٌ لِدَفْعِ التُّهْمَةِ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَثْبُتُ فِي جَانِبِهِ نَوْعُ تُهْمَةٍ فَيُحَلِّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِخَبَرٍ مُتَمَثِّلٍ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُورِثُ تُهْمَةً فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِدَفْعِ تِلْكَ التُّهْمَةِ عَنْهُ، فَإِذَا أَوْجَدَ مِثْلَ تِلْكَ التُّهْمَةِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي رَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِنْسَ الْيَمِينِ فِي جَانِبِ الْمُنْكِرِ فَلَا يَبْقَى يَمِينٌ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَلَا يَجُوزُ تَحْوِيلُ الْيَمِينِ عَنْ مَوْضِعِهَا الَّذِي وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ، وَالْمُشْتَرِي مُدَّعٍ هُنَا حَقَّ الْفَسْخِ فَلَا يَمِينَ فِي جَانِبِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي مَوْضِعِهَا لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَالْمُدَّعِي يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ حَقٍّ غَيْرِ ثَابِتٍ لَهُ فَلَا يَكُونُ الْيَمِينُ حُجَّةً فِي جَانِبِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْيَمِينَ مَشْرُوعَةٌ لِلنَّفْيِ فِي مَوْضِعِهِ لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمُ النَّفْيِ حَتَّى لَوْ أَوْجَدَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ فَأَقَامَهَا وَقَضَى لَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ فَهِيَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا لِأَنَّهَا لَا يَثْبُتُ بِهَا مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا أَوَّلًا.

وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ شَيْئًا فَادَّعَى رَجُلٌ فِيهِ دَعْوَى حَلَفَ الْمُشْتَرِي أَلْبَتَّةَ عِنْدَنَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُحَلِّفُ الْبَائِعَ فِي الْمِلْكِ كَمَا أَنَّ الْوَارِثَ يُحَلِّفُ الْمُوَرِّثَ ثُمَّ فِيمَا يُدَّعَى فِي التَّرِكَةِ إنَّمَا يُسْتَحْلَفُ الْوَارِثُ عَلَى الْعِلْمِ فَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي وَهَذَا لِأَنَّ أَصْلَ الدَّعْوَى عَلَى الْبَائِعِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ صَارَ الْبَائِعُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ حَتَّى رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى الِاسْتِحْلَافِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَيَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الشِّرَاءَ سَبَبٌ مُتَجَدِّدٌ لِلْمِلْكِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِهِ مِلْكٌ مُتَجَدِّدٌ لِلْمُشْتَرِي وَصَارَ ثُبُوتُ هَذَا الْمِلْكِ لَهُ بِالشِّرَاءِ كَثُبُوتِهِ بِالِاصْطِيَادِ وَالِاسْتِرْقَاقِ ثُمَّ هُنَاكَ إذَا ادَّعَى إنْسَانٌ فِي الْمَمْلُوكِ دَعْوَى يَسْتَحْلِفُ الْمَالِكَ عَلَى الثَّبَاتِ فَهَذَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّ مَوْتَ الْمُوَرِّثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>