مُفَاوَضَةٌ وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَبَيْنَنَا وَبَيْنَهُ اتِّفَاقٌ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُفَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَقُلْنَا لَمَّا انْعَدَمَ مَا هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الْمُفَاوَضَةِ لَمْ تَكُنْ الشَّرِكَةُ مُفَاوَضَةً بَيْنَهُمَا وَلَكِنَّهُ عَنَانٌ عَامٌّ فَكَأَنَّهُمَا بَاشَرَا شَرِكَةَ الْعَنَانِ وَلَقَّبَاهَا بِلَقَبٍ فَاسِدٍ وَهُوَ يَقُولُ قَصْدًا بِصَحِيحِ الْمُعَاوَضَةِ وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِمَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ أَحَدُهُمَا مُمَلَّكًا بَعْضَ رَأْسِ مَالِهِ مِنْ صَاحِبِهِ لِيَسْتَوِيَ بِهِ فَيُجْعَلَ كَأَنَّهُ وَهَبَ مِنْهُ بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يَحْصُلَ مَقْصُودُهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بِدَرْجِ التَّمَلُّكِ فِي كَلَامِهِ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُمَا وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ هِبَةُ الْمَتَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مِنْ الشَّرِيكِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَاهُ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُسَاوَاةِ فِي رَأْسِ الْمَالِ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ مِنْ دَقَائِقِ الْعُلُومِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ مِنْ النَّاسِ وَبَيْنَ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيهِ اخْتِلَافٌ فَلَعَلَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَنَيَا هَذَا الْعَقْدَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَهُ مَعَ التَّفَاوُتِ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ شَيْءٍ مِنْ الْمِلْكِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالِاحْتِمَالِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَالْمُكَاتَبَةُ جَائِزَةٌ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَرُدَّهَا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ تُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَاءِ وَالْعِتْقِ فَإِذَا نَفَذَ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي مِلْكِهِ لَا يَجُوزُ لِلْآخَرِ أَنْ يُبْطِلَهُ كَحَقِيقَةِ الْإِعْتَاقِ وَالْكِتَابَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْتَمِدُ الْفَسْخَ وَيَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ فَكَمَا أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا بَاعَ نَصِيبَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُبْطِلَهُ فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ وَعِنْدَنَا لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّ الْكِتَابَةَ لِأَنَّ فِي إبْقَاءِ هَذَا الْعَقْدِ ضَرَرًا عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي نَصِيبِهِ وَتَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَمَنْ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ تَصَرُّفًا يُلْحِقُ الضَّرَرَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا الْعَقْدُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَقُلْنَا يَدْفَعُ الشَّرِيكُ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِفَسْخِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا كَسَرَ نَجْمًا أَوْ نَجْمَيْنِ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَتَى عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَبِهِ فَارَقَ حَقِيقَةَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلْفَسْخِ فَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ يَكُونُ بِالتَّضْمِينِ هُنَاكَ وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الشَّرِيكِ فِي إبْقَاءِ الْبَيْعِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي نَصِيبِهِ عِنْدَنَا لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ وَعِنْدَ أَبِي لَيْلَى لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ حَتَّى يَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ الْمُكَاتَبُ فَإِنْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ وَعَلَى الَّذِي كَاتَبَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَالْوَلَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute