اخْتَارُوا مِنْ الْأَقَاوِيلِ فِيهِ فَذَكَرْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْكِتَابِ فَوَقَعَ فِي الْبَيَانِ بَعْضُ الْبَسْطِ لِهَذَا فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْحَيْضُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ، وَمِنْهُ يُقَالُ حَاضَتْ الْأَرْنَبُ وَحَاضَتْ الشَّجَرَةُ إذَا خَرَجَ مِنْهَا الصَّمْغُ الْأَحْمَرُ، وَفِي الشَّرِيعَةِ: اسْمٌ لِدَمٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَدًّا خَارِجًا مِنْ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْقُبُلُ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْوِلَادَةِ وَالْمُبَاضَعَةِ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ كُلُّهُ، فَهُوَ حَيْضٌ
وَإِلَّا، فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ. وَالِاسْتِحَاضَةُ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الْحَيْضِ «قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِرَسُولِ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ ذَلِكَ دَمُ حَيْضٍ إنَّمَا هُوَ عِرْقٌ امْتَدَّ أَوْ دَاءٌ اعْتَرَضَ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» أَشَارَ إلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّحِيحِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ مِنْ الدِّمَاءِ مِنْ أَهَمِّ مَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَنَقُولُ: الْفَاسِدُ مِنْ الدِّمَاءِ أَنْوَاعٌ فَمِنْهَا مَا نَقَصَ عَنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ الشَّرْعِيَّ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لِمَا دُونَ الْمِقْدَارِ حُكْمُ الْمُقَدَّرِ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ عِنْدَنَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ: عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَانِ، وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِمَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ اللَّيَالِيِ، وَذَلِكَ لَيْلَتَانِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَدْرِ مَا يُوجَدُ وَلَوْ سَاعَةً احْتَجَّ بِأَنَّ هَذَا نَوْعُ حَدَثٍ فَلَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّهُ بِشَيْءٍ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ أَقْرَبُهَا دَمُ النِّفَاسِ لَكِنَّا نَقُولُ: فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ يَخْرُجُ عَقِيبَ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَيُسْتَدَلُّ بِمَا تَقَدَّمَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ فِيهِ بِالْمُدَّةِ، فَأَمَّا الْحَيْضُ فَلَيْسَ يَسْبِقُهُ عَلَامَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَجَعَلْنَا الْعَلَامَةَ فِيهِ الِامْتِدَادَ لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِدَمِ عِرْقٍ ثُمَّ قَدَّرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْكِبَرِ فَقَالَ: لَمَّا اسْتَوْعَبَ السَّيَلَانُ جَمِيعَ السَّاعَاتِ عَرَفْنَا أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِشَيْءٍ آخَرَ وَنَحْنُ قَدَّرْنَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْمَقَادِيرُ لَا تُعْرَفُ قِيَاسًا فَمَا نُقِلَ عَنْهُمْ كَالْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ يُقَامُ مَقَامَ الْكَمَالِ لِمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ الدَّمَ مِنْ الْمَرْأَةِ لَا يَسِيلُ عَلَى الْوَلَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْنِيهَا وَيُجْحِفُهَا وَلَكِنَّهُ يَسِيلُ تَارَةً، وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى وَجْهُ رِوَايَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute