الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ فِي الْآثَارِ ذِكْرَ التَّقْدِيرَ بِالْأَيَّامِ فَجَعَلْنَا الثَّلَاثَةَ مِنْ الْأَيَّامِ أَصْلًا وَمَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ اللَّيَالِيِ يَتْبَعُهَا ضَرُورَةً.
وَمِنْ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَةِ أَنْ يَتَجَاوَزَ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ أَكْثَرَهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَلَا يَكُونُ لِمَا زَادَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ إذْ يَفُوتُ بِهِ فَائِدَةُ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي اخْتِلَافُهُمْ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَعِنْدَنَا عَشْرُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْآثَارِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نُقْصَانِ دِينِ الْمَرْأَةِ «تَقْعُدُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي» وَالْمُرَادُ زَمَانُ الْحَيْضِ وَالْحَيْضُ وَالطُّهْرُ يَجْتَمِعَانِ فِي الشَّهْرِ عَادَةً، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عِدَّةَ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَكَانَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فَيَتَعَيَّنُ شَطْرُ كُلِّ شَهْرٍ لِلْحَيْضِ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الشَّطْرِ فَفِي عُمُرِهَا زَمَانُ الصِّغَرِ وَمُدَّةُ الْحَبَلِ وَزَمَانُ الْإِيَاسِ وَلَا تَحِيضُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُقَارِبُ الشَّطْرَ وَإِذَا قَدَّرْنَا بِالْعَشَرَةِ فَقَدْ جَعَلْنَا مَا يُقَارِبُ الشَّطْرَ حَيْضًا فَأَمَّا أَقَلُّ مُدَّةِ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عِنْدَنَا وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ عَطَاءٌ: تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا قَالَ: لِأَنَّ الشَّهْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَادَةً، وَقَدْ يَكُونُ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةً بَقِيَ الطُّهْرُ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: أَنَّ مُدَّةَ الطُّهْرِ نَظِيرُ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ مِنْ حَيْثُ إنْ تُعِيدُ مَا كَانَ سَقَطَ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ قَدْ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ أَقَلُّ مُدَّةِ الطُّهْرِ، وَلِهَذَا قَدَّرْنَا أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِأَقَلِّ مُدَّةِ السَّفَر فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَقَدْ ثَبَتَ لَنَا أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ السَّفَرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا فَكَذَلِكَ هَذَا.
فَأَمَّا أَكْثَرُ مُدَّةِ الطُّهْرِ فَلَا غَايَةَ لَهُ إلَّا إذَا اُبْتُلِيَتْ بِالِاسْتِمْرَارِ حَتَّى ضَلَّتْ أَيَّامَهَا، وَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ لَهَا فَحِينَئِذٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ أَبُو عِصْمَةَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيُّ: لَا يَتَقَدَّرُ أَكْثَرُ طُهْرِهَا بِشَيْءٍ وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا أَبَدًا؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالتَّوْقِيفِ لَا بِالرَّأْيِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ يَقُولُ: يَتَقَدَّرُ أَكْثَرُ الطُّهْرِ فِي حَقِّهَا بِسِتَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute