الْبَائِعَ إنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُمَلِّكُهُ النَّقْضَ إذَا رَجَعَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ النَّقْضِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ مِنْ الدَّارِ سُدُسَهَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُجْتَمَعَةِ عَيْبٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ إلَّا بِسُدُسِ الثَّمَنِ، وَهُوَ حِصَّةُ مَا اسْتَحَقَّ؛ لِأَنَّ لُحُوقَ الدَّرَكِ كَانَ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَإِنَّمَا رَدَّ الْبَاقِي بِسَبَبِ الْعَيْبِ وَلَوْ رَدَّ الْكَفِيلُ بِالْعَيْبِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْكَفِيلِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْكُلَّ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ وَرَدَّ الْبَعْضَ يَجِبُ اعْتِبَارُ كُلِّ جُزْءٍ بِجُمْلَتِهِ.
وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارِ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهَا أَلْفُ ذِرَاعٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ بِبَيَانِ جُمْلَةِ الذُّرْعَانِ يَصِيرُ جُمْلَةُ الثَّمَنِ مَعْلُومًا وَلِأَنَّهُ سَمَّى بِمُقَابَلَةِ كُلِّ ذِرَاعٍ دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا يُذْرَعُ بِذِرَاعٍ وَسَطٍ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى الذِّرَاعَ الْمُكَسَّرَةَ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ الْأَطْوَلَ ذِرَاعُ الْمِلْكِ وَلَكِنَّ النَّاسَ مَا اعْتَادُوا الذَّرْعَ بِهِ غَالِبًا وَمُطْلَقُ التَّسْمِيَةِ فِي الْعَقْدِ تَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَهُوَ الذِّرَاعُ الْوَسَطُ، فَإِنْ ذَرَعَهَا وَوَجَدَهَا أَلْفَ ذِرَاعٍ فَهِيَ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كَمَا شَرَطَ لَهُ، وَإِنْ وَجَدَهَا أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهُ الْخِيَارُ: إنْ شَاءَ أَخَذَهَا كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ وَجَدَهَا أَقَلَّ فَقَدْ وَجَدَهَا أَضْيَقَ مِمَّا شَرَطَ لَهُ فِي الدَّارِ، وَالسَّعَةُ فِي الدَّارِ مَقْصُودَةٌ فَبِتَغَيُّرِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ، وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَرُبَّمَا لَا يَجِدُ مِنْ الْمَالِ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَهُوَ يَرْغَبُ فِي شِرَاءِ الدَّارِ بِهَا وَلَا يَرْغَبُ فِي شِرَائِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ فَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْوَجْهَيْنِ، فَإِنْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا أَلْفُ ذِرَاعٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَكَانَتْ أَلْفًا أَوْ أَكْثَرَ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ فِي الثَّمَنِ زِيَادَةٌ بِاعْتِبَارِ زِيَادَةِ الذَّرْعِ فَإِنَّهُ سَمَّى الثَّمَنَ جُمْلَةً بِمُقَابَلَةِ الدَّارِ وَالذَّرْعُ فِيهَا صِفَةٌ وَلَيْسَ بِمِقْدَارٍ، وَإِنَّمَا يُقَابِلُ الثَّمَنُ الْعَيْنَ دُونَ الْوَصْفِ فَلَا يَزْدَادُ الثَّمَنُ بِزِيَادَةِ الْوَصْفِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَقَدْ جَعَلَ الذِّرَاعَ هُنَاكَ مَقْصُودًا حَتَّى سَمَّى بِإِزَاءِ كُلِّ ذِرَاعٍ دِرْهَمًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ إذَا وَجَدَهَا أَلْفَيْ ذِرَاعٍ فَلَوْ جَعَلْنَا الثَّمَنَ أَلْفًا كَانَ بِإِزَاءِ كُلِّ ذِرَاعٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ، وَهُوَ بِخِلَافِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ، وَإِنْ وَجَدَهَا أَقَلَّ مِنْ أَلْفِ ذِرَاعٍ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَيْهِ شَرْطَهُ، وَإِذَا أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ هُنَا بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ وَبِنُقْصَانِ الذِّرَاعِ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي الْوَصْفِ وَلَا يَسْقُطُ بِاعْتِبَارِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا مَعْلُومَةً عَلَى أَنَّهَا عِشْرُونَ جَرِيبًا وَعِشْرُونَ نَخْلَةً بِكَذَا دِرْهَمًا فَزَادَتْ الْأَرْضُ وَالنَّخْلُ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي بِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute