اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مِنْ كَمَالِ الْعَقْلِ مُوَابَأَةُ النَّاسِ فِيمَا لَا يَأْثَمُ بِهِ» وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَاهِلَةَ عَيُونًا فَرَأَى بَغْلَةً لِشُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَعْجَبَتْهُ فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ أَمَا إنَّهَا إذَا رَبَضَتْ لَمْ تَقُمْ حَتَّى تُقَامَ أَيْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي يُقِيمُهَا بِقُدْرَتِهِ، وَقَالَ الرَّجُلُ: أُفٍّ أُفٍّ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَمَّا أَبْصَرَ الْبَغْلَةَ فَأَعْجَبَتْهُ رَبَضَتْ مِنْ سَاعَتِهَا فَقَالَ شُرَيْحٌ مَا قَالَ فَلَمَّا قَالَ الرَّجُلُ: أُفٍّ أُفٍّ قَامَتْ.
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ، وَقَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَعَوَّذُ مِنْ عَيْنِ السُّوءِ»، وَمِنْهُ يُقَالُ إنَّ الْعَيْنَ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ فَأَرَادَ شُرَيْحٌ أَنْ يَرُدَّ عَيْنَهُ بِأَنْ يُحَقِّرَهَا فِي عَيْنِهِ، وَقَالَ مَا قَالَ وَأَضْمَرَ فِيهِ مَعْنًى صَحِيحًا، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُقِيمُهَا بِقُدْرَتِهِ وَذُكِرَ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سِيدَةَ قَالَ جَعَلَ حُذَيْفَةُ يَحْلِفُ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى أَشْيَاءَ بِاَللَّهِ مَا قَالَهَا، وَقَدْ سَمِعْنَاهُ يَقُولُهَا، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْنَاك تَحْلِفُ لِعُثْمَانَ عَلَى أَشْيَاءَ مَا قُلْتهَا، وَقَدْ سَمِعْنَاك قُلْتهَا فَقَالَ: إنِّي أَشْتَرِي دِينِي بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مَخَافَةَ أَنْ يَذْهَبَ كُلُّهُ وَإِنَّ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْضُ الْمُدَارَاةِ فَكَانَ يَسْتَعْمِلُ مَعَارِيضَ الْكَلَامِ فِيمَا يُخْبِرُهُ بِهِ وَيَحْلِفُ لَهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَشْكَلَ عَلَى السَّامِعِ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنِّي أَشْتَرِي دِينِي بَعْضَهُ بِبَعْضٍ يَعْنِي أَسْتَعْمِلُ مَعَارِيضَ الْكَلَامِ عَلَى سَبِيلِ الْمُدَارَاةِ أَوْ كَأَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ مَا قَالَهَا، وَيَعْنِي مَا قَالَهَا فِي هَذَا الْمَكَانِ أَوْ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ يَعْنِي الَّذِي فَإِنَّ مَا قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الَّذِي فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ الْمَعَارِيضِ وَبَيَانُهُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ لِي رَجُلٌ: إنِّي أَنَالُ مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا فَيَبْلُغُهُ عَنِّي فَكَيْفَ أَعْتَذِرُ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيمُ وَاَللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَيَعْلَمُ مَا قُلْت لَك مِنْ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ أَيْ أَضْمِرْ فِي قَلْبِك الَّذِي مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ لَيَعْلَمُ الَّذِي قُلْت لَك مِنْ حَقِّك مِنْ شَيْءٍ.
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ غَرَّارٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: كُنَّا نَأْتِي إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ خَائِفٌ مِنْ الْحَجَّاجِ فَكُنَّا إذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ يَقُولُ لَنَا: إنْ سُئِلْتُمْ عَنِّي وَحَلَفْتُمْ فَاحْلِفُوا بِاَللَّهِ مَا تَدْرُونَ أَيْنَ أَنَا وَلَا لَكُمْ عِلْمٌ بِمَكَانِي وَلَا فِي أَيْ مَوْضِعٍ أَنَا وَاعْنُوا أَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيْ مَوْضِعٍ أَنَا فِيهِ قَاعِدٌ أَوْ قَائِمٌ فَتَكُونُونَ قَدْ صَدَقْتُمْ وَأَتَاهُ رَجُلٌ فِي الدِّيوَانِ فَقَالَ إنِّي اعْتَرَضْت عَلَى دَابَّةٍ، وَقَدْ نَفَقَتْ وَهُمْ يُرِيدُونَ يُحَلِّفُونَنِي أَنَّهَا الدَّابَّةُ الَّتِي اعْتَرَضْت عَلَيْهَا فَكَيْفَ أَحْلِفُ فَقَالَ ارْكَبْ دَابَّةً وَاعْتَرِضْ عَلَيْهَا عَلَى بَطْنِك رَاكِبًا ثُمَّ احْلِفْ لَهُمْ أَنَّهَا الدَّابَّةُ الَّتِي اعْتَرَضْت عَلَيْهَا فَيَفْهَمُونَ الْغَرَضَ وَأَنْتَ تَعْنِي اعْتَرَضْت عَلَيْهَا عَلَى بَطْنِك وَيُحْكَى عَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَكِبَ رَشَادًا وَأَرَادَ فَرَسَ الْبُخْتِ وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute