للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْمَسْنُونِ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا قَهْقَهَ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ، وَإِنْ كَانَ مُتَنَقِّلًا فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ أَخَذَهُ مِنْ لِحْيَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ مَسَحَ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَإِنَّ الْمَاءَ إذَا فَارَقَ عُضْوَهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَاَلَّذِي رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْمَاءَ مِنْ لِحْيَتِهِ، وَاسْتَعْمَلَهُ فِي لُمْعَةٍ رَآهَا» تَأْوِيلُهُ فِي الْجَنَابَةِ، وَجَمِيعُ الْبَدَنِ فِي الْجَنَابَةِ كَعُضْوٍ، وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ فِي كَفِّهِ بَلَلٌ فَمَسَحَهُ بِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي بَقِيَ فِي كَفِّهِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فَهُوَ كَالْبَاقِي فِي إنَائِهِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَغْسُولَاتِ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْغُسْلِ تَأَدَّى بِمَا جَرَى عَلَى عُضْوِهِ لَا بِالْبِلَّةِ الْبَاقِيَةِ فِي كَفِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْمَسْحِ بِالْخُفِّ، وَحِينَئِذٍ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْحِ يَتَأَدَّى بِالْبِلَّةِ.

قَالَ، وَلَا يُجْزِئُ مَسْحُ الرَّأْسِ بِأُصْبُعٍ، وَلَا بِأُصْبُعَيْنِ، وَيُجْزِئُهُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي فُصُولٍ: أَحَدُهُمَا فِي قَدْرِ الْمَفْرُوضِ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ فَفِي الْأَصْلِ ذَكَرَ قَدْرَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ، وَفِي مَوْضِعٍ النَّاصِيَةَ، وَفِي مَوْضِعٍ رُبُعَ الرَّأْسِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ، وَلَوْ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمَفْرُوضُ مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَكْثَرُ الرَّأْسِ، وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ «بِفِعْلِ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا أَقْبَلَ بِهِمَا، وَأَدْبَرَ»، وَبِهِ اسْتَدَلَّ الْحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَّا أَنَّهُ قَالَ: الْأَكْثَرُ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدُلُّ عَلَى الرُّكْنِيَّةِ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِإِكْمَالِ الْفَرِيضَةِ، وَاعْتَبَرَ الْمَمْسُوحَ بِالْمَغْسُولِ، وَهُوَ فَاسِدٌ فَإِنَّ الْمَسْحَ بُنِيَ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَدُلُّ عَلَى التَّبْعِيضِ فِي الْمَسْحِ، وَهُوَ حَرْفُ الْبَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْبَعْضِ كَمَا يُقَالُ كَتَبْت بِالْقَلَمِ، وَضَرَبْت بِالسَّيْفِ أَيْ بِطَرَفٍ مِنْهُ.

وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ يَتَأَدَّى بِأَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: مَنْ مَسَحَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ لَا يُقَالُ إنَّهُ مَسَحَ بِرَأْسِهِ عَادَةً، وَفِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَعْضِ، وَهُوَ مُجْمَلٌ فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بَيَانُهُ فِي فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ»، وَذَلِكَ الرُّبُعُ فَإِنَّ الرَّأْسَ نَاصِيَةٌ، وَقَذَالٌ، وَفَوْدَانٌ، وَلِأَنَّ الرُّبُعَ بِمَنْزِلَةِ الْكَمَالِ فَإِنَّ مَنْ رَأَى وَجْهَ إنْسَانٍ يَسْتَجِيزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ رَأَيْت فُلَانًا، وَإِنَّمَا رَأَى أَحَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>