جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ.
إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: ذُكِرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ أَنَّهُ إذَا وَضَعَ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ، وَلَمْ يُمِرَّهَا جَازَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الرَّأْسِ وَالْخُفِّ، وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى يُمِرَّهَا بِقَدْرِ مَا تُصِيبُ الْبِلَّةُ مِقْدَارَ رُبُعِ الرَّأْسِ فَهُمَا اعْتَبَرَا الْمَمْسُوحُ عَلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتَبَرَ الْمَمْسُوحَ بِهِ، وَهُوَ عَشْرَةُ أَصَابِعَ، وَرُبُعُهَا أُصْبُعَانِ، وَنِصْفٌ إلَّا أَنَّ الْأُصْبُعَ الْوَاحِدَ لَا يَتَجَزَّأُ فَجَعَلَ الْمَفْرُوضَ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ لِهَذَا، وَإِنْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ، أَوْ بِأُصْبُعَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ إذَا مَسَحَ بِهِ مِقْدَارَ رُبُعِ الرَّأْسِ قَالَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إصَابَةُ الْبِلَّةِ دُونَ الْأَصَابِعِ حَتَّى لَوْ أَصَابَ رَأْسَهُ مَاءُ الْمَطَرِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْمَسْحِ.
(وَلَنَا) أَنَّهُ كُلَّمَا وَضَعَ الْأَصَابِعَ صَارَ مُسْتَعْمِلًا فَلَا يَجُوزُ إقَامَةُ الْفَرْضِ بِهِ بِالْإِمْرَارِ فَإِنْ قِيلَ إذَا وَضَعَ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ، وَمَسَحَ بِهَا جَمِيعَ رَأْسِهِ جَازَ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ إقَامَةُ الْفَرْضِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَكَذَلِكَ إقَامَةُ السُّنَّةِ بِالْمَمْسُوحِ. قُلْنَا: الرَّأْسُ تُفَارِقُ الْمَغْسُولَاتِ فِي الْمَفْرُوضِ دُونَ الْمَسْنُونِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الْمَسْنُونِ يَسْتَوْعِبُ الْحُكْمُ جَمِيعَ الرَّأْسِ كَمَا فِي الْمَغْسُولَاتِ فَكَمَا أَنَّ فِي الْمَغْسُولَاتِ الْمَاءُ فِي الْعُضْوِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ إقَامَةِ السُّنَّةِ فِي الْمَمْسُوحِ، إلَى هَذَا الطَّرِيقِ يُشِيرُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى قَالَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ لَوْ أَعَادَ الْأُصْبُعَ إلَى الْمَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَجُوزُ، وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعِهِ بِجَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ يَجُوزُ، وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَأَنَّ الطَّرِيقَةَ غَيْرُ هَذَا فَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ بِأُصْبُعٍ، أَوْ بِأُصْبُعَيْنِ لَا يَجُوزُ فَالِاسْتِيعَابُ هُنَاكَ فَرْضٌ، وَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَلَكِنَّ الْوَجْهَ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمَفْرُوضَ هُوَ الْمَسْحُ بِالْيَدِ فَأَكْثَرُ الْأَصَابِعِ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فَإِذَا اسْتَعْمَلَ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ، أَوْ الْخُفِّ، أَوْ التَّيَمُّمِ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ كَانَ كَالْمَاسِحِ بِجَمِيعِ يَدِهِ فَيَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا.
وَإِنْ كَانَ شَعْرُهُ طَوِيلًا فَمَسَحَ مَا تَحْتَ أُذُنَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ مَسَحَ مَا فَوْقَهُمَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الشَّعْرِ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْحِ عَلَى الْبَشَرَةِ الَّتِي تَحْتَهُ، وَمَا تَحْتَ الْأُذُنَيْنِ عُنُقٌ، وَمَا فَوْقَهُمَا رَأْسٌ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ، وَمَا أَدْبَرَ مَعَ الرَّأْسِ، وَإِنْ غَسَلَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُمَا مَعَ الْوَجْهِ جَازَ؛ لِأَنَّ فِي الْغُسْلِ مَسْحًا، وَزِيَادَةً، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ، وَالْفَرْضُ فِي الرَّأْسِ الْمَسْحُ بِالنَّصِّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُمَا عَلَى الرَّأْسِ، وَاعْتُبِرَا بِآذَانِ الْكِلَابِ، وَالسَّنَانِيرِ، وَالْفِيلِ، وَمَنْ فَغَرَ فَاهُ فَيَزُولُ عَظْمُ اللَّحْيَيْنِ عَنْ عَظْمِ الرَّأْسِ، وَتَبْقَى الْأُذُنُ مَعَ الرَّأْسِ، وَعَلَى هَذَا قُلْنَا لَا يَأْخُذُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَأْخُذُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute