جَدِيدًا.، وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ، وَأَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا»، وَقَالَ؛ لِأَنَّ الْأُذُنَ مَعَ الرَّأْسِ كَالْفَمِ، وَالْأَنْفِ مَعَ الْوَجْهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ لِلْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ مَاءً جَدِيدًا سِوَى مَا يُقِيمُ بِهِ فَرْضَ غَسْلِ الْوَجْهِ فَهَذَا مِثْلُهُ.
(وَلَنَا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَأُذُنَيْهِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ». فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَيَانُ الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ مُشَاهَدٌ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِهِ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا مَمْسُوحَانِ كَالرَّأْسِ، وَهَذَا بَعِيدٌ فَاتِّفَاقُ الْعُضْوَيْنِ فِي الْفَرْضِ لَا يُوجِبُ إضَافَةَ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا مَمْسُوحَانِ بِالْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ الرَّأْسَ، وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي كَفِّهِ بِلَّةٌ فَلِهَذَا أَخَذَ فِي أُذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا.
وَذَكَرَ الْحَاكِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُنْتَقَى إذَا أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ الْمَاءِ فَتَمَضْمَضَ بِهَا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ أَجْزَأَهُ، وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ قُلْنَا: الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ مُقَدَّمَانِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ فَإِذَا أَقَامَهُمَا بِمَاءٍ، وَاحِدٍ كَانَ الْمَفْرُوضُ تَبَعًا لِلْمَسْنُونِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَهَا هُنَا إذَا أَقَامَهُمَا بِمَاءٍ، وَاحِدٍ يَكُونُ الْمَسْنُونُ تَبَعًا لِلْمَفْرُوضِ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ.
قَالَ (وَإِنْ مَسَحَ أُذُنَيْهِ دُونَ رَأْسِهِ لَمْ يُجْزِهِ)؛ لِأَنَّهُ تَرْكَ الْمَفْرُوضِ، وَالْمَسْنُونُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَفْرُوضِ (فَإِنْ قِيلَ) لَكُمْ أَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُكُمْ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ (قُلْنَا) هُمَا مِنْ الرَّأْسِ، وَلَيْسَا بِرَأْسٍ كَالثِّمَارِ مِنْ الشَّجَرَةِ، وَلَيْسَتْ بِشَجَرَةٍ، وَالْوَاحِدُ مِنْ الْعَشَرَةِ، وَلَيْسَ بِعَشْرَةٍ، وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَكَوْنُ الْآذَانِ مِنْ الرَّأْسِ ثَابِتٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ مَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ كَمَنْ اسْتَقْبَلَ الْحَطِيمَ بِالصَّلَاةِ فَلَا تُجْزِئُهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَطِيمُ مِنْ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَكَوْنُ الْحَطِيمِ مِنْ الْبَيْتِ ثَابِتٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ.
(وَمَنْ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ جَزَّ شَعْرَهُ، أَوْ نَتَفَ إبْطَيْهِ، أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ، أَوْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَمَسَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءُ، وَلَا أَنْ يُجَدِّدَ وُضُوءَهُ)، وَكَانَ ابْنُ جَرِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَكَانَ إبْرَاهِيمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ حَدَثٍ»، وَفِعْلُهُ هَذَا تَطْهِيرٌ فَكَيْفَ يَكُونُ حَدَثًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ هَذَا فَقَالَ مَا ازْدَادَ إلَّا طُهْرًا، وَنَظَافَةً.
قَالَ (ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الشَّعْرِ مِثْلُ الْمَسْحِ عَلَى الْبَشَرَةِ الَّتِي تَحْتَهُ) لَا أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُصْبُعَ إذَا مَسَحَ عَلَى الشَّعْرِ جَازَ، وَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الْبَدَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ فَكَانَ جَزُّ الشَّعْرِ بَعْدَ الْمَسْحِ كَتَقْشِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute