الْجِلْدِ عَنْ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ بَعْدَ الْغُسْلِ فَكَمَا لَا يَلْزَمُهُ إمْرَارُ الْمَاءِ ثَمَّةَ فَكَذَلِكَ هُنَا بِخِلَافِ الْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا نَزَعَهُمَا فَإِنَّ الْمَسْحَ لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الْغُسْلِ، وَلَكِنَّ اسْتِتَارَ الْقَدَمِ بِالْخُفِّ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ رِجْلُهُ بَادِيًا، وَقْتَ الْحَدَثِ لَمْ يُجْزِهِ الْمَسْحُ فَبِخَلْعِ الْخُفِّ يَسْرِي الْحَدَثُ إلَى الْقَدَمِ.
قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَنَا)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا مَسَّ بِبَاطِنِ كَفِّهِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَالرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ فِي مَسِّ الْفَرْجِ سَوَاءٌ عِنْدَهُ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»، وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عَنْ امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَقَالَتْ: إنْ كَانَتْ تَرَى مَاءً هُنَالِكَ فَلْتَتَوَضَّأْ، وَلِأَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ سَبَبٌ لِاسْتِطْلَاقِ وِكَاءِ الْمَذْيِ فَيُجْعَلُ بِهِ كَالْمُمْذِي كَمَا أَنَّ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِاسْتِطْلَاقِ وِكَاءِ الْمَنِيِّ جُعِلَ بِهِ كَالْمُمْنِي، وَإِقَامَةُ السَّبَبِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمَعْنَى الْخَفِيِّ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ.
(وَلَنَا) حَدِيثُ «قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّنْ مَسَّ ذَكَرَهُ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَقَالَ لَا هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةً مِنْكَ، أَوْ قَالَ جِذْوَةً مِنْكَ».
وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مِثْلُ قَوْلِنَا حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْكَ نَجِسًا فَاقْطَعْهُ (وَقَالَ) بَعْضُهُمْ مَا أُبَالِي أَمَسِسْته أَمْ أَنْفِي، وَهُوَ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا، أَوْ نَجِسًا، وَلَيْسَ فِي مَسِّ شَيْءٍ مِنْ الطَّاهِرَاتِ، وَلَا مِنْ النَّجَاسَاتِ وُضُوءٌ، وَلَوْ مَسَّ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَمْ يُنْتَقَضْ بِهِ وُضُوءُهُ، وَإِقَامَةُ السَّبَبِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمَعْنَى الْخَفِيُّ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الْخَفِيِّ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا فَإِنَّ الْمَذْيَ يُرَى، وَيُشَاهَدُ، وَهُوَ فَاسِدٌ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ عِنْدَهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى الْمَاسِّ دُونَ الْمَمْسُوسِ ذَكَرَهُ، وَاسْتِطْلَاقُ وِكَاءِ الْمَذْي هُنَا يَنْبَغِي فِي حَقِّ الْمَمْسُوسِ ذَكَرُهُ، وَحَدِيثُ بُسْرَةَ لَا يَكَادُ يَصِحُّ فَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثَلَاثٌ لَا يَصِحُّ فِيهِنَّ حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا هَذَا، وَمَا بَالُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ هَذَا بَيْنَ يَدَيْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ حَتَّى لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا قَالَهُ بَيْنَ يَدَيْ بُسْرَةَ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَدُّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَلَوْ ثَبَتَ فَتَأْوِيلُهُ: مَنْ بَالَ، فَجَعَلَ مَسَّ الذَّكَرِ عَنْ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَبُولُ يَمَسُّ ذَكَرَهُ عَادَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى {، أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} [النساء: ٤٣]، وَالْغَائِطُ هُوَ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ كَنَّى بِهِ عَنْ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute