مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَادَةً، أَوْ الْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدِ اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ، وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ»، وَالْمُرَادُ مِنْهُ غَسْلُ الْيَدِ (قَالَ)، وَكَذَلِكَ إذَا نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ، وَبِمُجَرَّدِ النَّظَرِ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ، وَالتَّفْكِيرُ سَوَاءٌ. .
قَالَ (وَفِي الْمَنِيِّ الْغُسْلُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» يَعْنِي الِاغْتِسَالَ مِنْ الْمَنِيِّ، وَمُرَادُهُ إذَا خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ، وَالشَّهْوَةِ فَإِنْ خَرَجَ لَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لِحَمْلِهِ شَيْئًا ثَقِيلًا، أَوْ سُقُوطِهِ عَلَى ظَهْرِهِ يَلْزَمُهُ الِاغْتِسَالُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَلَا يَلْزَمُهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ بِصِفَةِ خُرُوجِ الْمَذْيِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَذْي فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - مُفَارَقَةُ الْمَنِيِّ عَنْ مَكَانِهِ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، وَالدَّفْقِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُعْتَبَرُ ظُهُورُهُ. بَيَانُهُ فِي فَصْلَيْنِ.: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَنْ احْتَلَمَ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ حَتَّى سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ، ثُمَّ سَالَ مِنْهُ الْمَنِيُّ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا، وَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُجَامِعَ إذَا اغْتَسَلَ قَبْلَ أَنْ يَبُولَ، ثُمَّ سَالَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ فَعَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ عِنْدَهُمَا ثَانِيًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
قَالَ (، وَفِي الْمَذْي الْوُضُوءُ) لِحَدِيثِ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ كُنْتُ فَحْلًا مَذَّاءً فَاسْتَحْيَيْت أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَكَانِ ابْنَتِهِ تَحْتِي فَأَمَرْت الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ حَتَّى سَأَلَهُ فَقَالَ كُلُّ فَحْلٍ يُمْذِي، وَفِيهِ الْوُضُوءُ» وَكَذَلِكَ الْوَدْيُ فَإِنَّهُ الْغَلِيظُ مِنْ الْبَوْلِ فَهُوَ كَالرَّقِيقِ مِنْهُ، ثُمَّ فَسَّرَ هَذِهِ الْمِيَاهَ فَقَالَ (الْمَنِيُّ خَائِرٌ أَبْيَضُ يَنْكَسِرُ مِنْهُ الذَّكَرُ)، وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي كِتَابِهِ أَنَّ لَهُ رَائِحَةَ الطَّلْعِ (، وَالْمَذْيُ رَقِيقٌ يَضْرِبُ إلَى الْبَيَاضِ يَخْرُجُ عِنْدَ مُلَاعَبَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ، وَالْوَدْيُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ مِنْهُ بَعْدَ الْبَوْلِ)، وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الْمِيَاهِ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
قَالَ (وَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْقُبْلَةِ، وَمَسُّ الْمَرْأَةِ بِشَهْوَةٍ، أَوْ غَيْرِ شَهْوَةٍ)، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَهُوَ اخْتِلَافٌ مُعْتَبَرٌ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ حَتَّى قِيلَ يَنْبَغِي لِمَنْ يَؤُمُّ النَّاسَ أَنْ يَحْتَاطَ فِيهِ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ عَنْ شَهْوَةٍ يَجِبُ، وَإِلَّا فَلَا فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {، أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣]، وَحَقِيقَةُ الْمَسِّ بِالْيَدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: ٧]، وَلَا يُعَارِضُ الْقِرَاءَةَ.
(أَلَا تَرَى) قَوْلَهُ {أَوْ لَامَسْتُمْ} [النساء: ٤٣] فَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِتِلْكَ الْقِرَاءَةِ الْجِمَاعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute