للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُعْمَلُ بِهِمَا جَمِيعًا، وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّقْبِيلَ، وَالْمَسَّ سَبَبٌ لِاسْتِطْلَاقِ وِكَاءِ الْمَذْيِ فَيُقَامُ مَقَامَ خُرُوجِ الْمَذْيِ حَقِيقَةً فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْعِبَادَةِ كَمَا فَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُبَاشَرَةِ الْفَاحِشَةِ.

(وَلَنَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ انْصَرَفَ يَوْمًا مِنْ صَلَاتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ النَّاسُ رَأَوْهُ يُصَلِّي فِي آخِرِ الصُّفُوفِ فَقَالَ إنِّي تَوَضَّأْت فَمَرَّتْ بِي جَارِيَتِي رُومِيَّةٌ فَقَبَّلْتهَا فَلَمَّا اُفْتُتِحَتْ الصَّلَاةُ، وَجَدْتُ مَذْيًا فَقُلْت أَمْضِي فِي صَلَاتِي حَيَاءً مِنْكُمْ قُلْت لَأَنْ أُرَاقِبُ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرٌ لِي مِنْ أَنْ أُرَاقِبَكُمْ فَانْصَرَفْت، وَتَوَضَّأْت فَهَذَا دَلِيلُ رُجُوعِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بَعْدَ التَّقْبِيلِ حَتَّى إذَا أَحَسَّ بِالْمَذْيِ انْصَرَفَ، وَتَوَضَّأَ، وَلِأَنَّ عَيْنَ الْمَسِّ لَيْسَ بِحَدَثٍ بِدَلِيلِ مَسِّ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَبَقِيَ الْحَدَثُ مَا يَخْرُجُ عِنْدَ الْمَسِّ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ يُوقَفُ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ السَّبَبِ الظَّاهِرِ مَقَامَهُ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - الْمُرَادُ بِالْمَسِّ الْجِمَاعُ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَيِيٌّ يُكَنِّي بِالْحَسَنِ عَنْ الْقَبِيحِ كَمَا كَنَّى بِالْمَسِّ عَنْ الْجِمَاعِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {، وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٧]، وَالْمُرَادُ الْجِمَاعُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْجِمَاعِ كَانَ ذِكْرًا لِلْحَدَثِ الْكُبْرَى بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدَثِ الصُّغْرَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى {، أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} [النساء: ٤٣] فَأَمَّا إذَا حُمِلَ عَلَى الْمَسِّ بِالْيَدِ كَانَ تَكْرَارًا مَحْضًا.

قَالَ (فَإِنْ بَاشَرَهَا، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ فَانْتَشَرَ لَهَا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - اسْتِحْسَانًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ، وَقَدْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ كَالتَّقْبِيلِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ مَنْ بَلَغَ فِي الْمُبَاشَرَةِ هَذَا الْمَبْلَغَ خُرُوجُ الْمَذْيِ مِنْهُ حَقِيقَةً فَيُجْعَلُ كَالْمُمْذِي بِنَاءً لِلْحُكْمِ عَلَى الْغَالِبِ دُونَ النَّادِرِ كَمَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَإِنْ تَيَقَّنَ بِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْمِصْرِ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ أَنَّ الْمَاءَ فِي الْمِصْرِ لَا يَعْدَمُ، وَفَسَّرَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ بِأَنْ يُعَانِقَهَا، وَهُمَا مُتَجَرِّدَانِ، وَيَمَسَّ ظَاهِرُ فَرْجِهِ ظَاهِرَ فَرْجِهَا.

قَالَ (وَإِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ، وَغَابَتْ الْحَشَفَةُ، وَجَبَ الْغُسْلُ أَنْزَلَ، أَوْ لَمْ يُنْزِلْ)، وَهُوَ قَوْلُ الْمُهَاجِرِينَ عُمَرَ وَعَلِيّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَأَمَّا الْأَنْصَارُ كَأَبِي سَعِيدٍ وَحُذَيْفَةَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>