للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَّفِقَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَصُورَةُ الْعَادَةِ الْجَعْلِيَّةِ أَنْ تَرَى الْمَرْأَةُ دَمَيْنِ وَطُهْرَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ بَيْنَهُمَا مُخَالِفٌ لَهُمَا أَوْ تَرَى أَطْهَارًا مُخْتَلِفَةً أَوْ دِمَاءً مُخْتَلِفَةً فَيَنْصِبُ أَوْسَطَ الْأَعْدَادِ لَهَا عَادَةً عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَوْسَطِ الْأَعْدَادِ وَأَقَلُّ الْمَرَّتَيْنِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَتَكُونُ هَذِهِ عَادَةً جَعْلِيَّةً لَهَا فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ سُمِّيَتْ جَعْلِيَّةً؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ عَادَةً لَهَا لِلضَّرُورَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا دَلِيلُ ثُبُوتِ الْعَادَةِ حَقِيقَةً فَإِنْ رَأَتْ الْعَادَةَ الْجَعْلِيَّةَ بَعْدَ الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ قَالَ أَئِمَّةُ: بَلْخِي رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُنْتَقَضُ بِهِ الْعَادَةُ الْأَصْلِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا دُونَهَا.

وَالشَّيْءُ لَا يَنْقُضُهُ مَا هُوَ دُونَهُ إنَّمَا يَنْقُضُهُ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقُهُ؛ وَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ فِي إثْبَاتِ عَادَةٍ لَهَا، وَلَا ضَرُورَةَ فِي نَقْضِ الْعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهَا، وَمَشَايِخُ بُخَارَى رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُونَ: تُنْقَضُ الْعَادَةُ الْأَصْلِيَّةُ بِالْعَادَةِ الْجَعْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّكَرُّرِ فِي الْعَادَةِ الْجَعْلِيَّةِ بِخِلَافِ مَا كَانَ فِي الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ مِثَالُهُ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ الْأَصْلِيَّةُ فِي الْحَيْضِ خَمْسَةً لَا تَثْبُتُ الْجَعْلِيَّةُ إلَّا بِرُؤْيَةِ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ فَالتَّكْرَارُ فِيهَا خِلَافُ الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ مِرَارًا؛ لِأَنَّ سَبْعَةً وَثَمَانِيَةً يَتَكَرَّرُ فِيهَا سِتَّةٌ فَبِالتَّكْرَارِ بِخِلَافِ الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ نُنْتَقَضُ تِلْكَ الْعَادَةُ وَلَكِنْ لِكَوْنِهَا مُتَفَاوِتَةً فِي نَفْسِهَا تَكُونُ الْعَادَةُ الثَّانِيَةُ جَعْلِيَّةً لَا أَصْلِيَّةً ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَادَةَ الْأَصْلِيَّةَ لَا تُنْتَقَضُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً وَاحِدَةً إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ خَمْسَةً، وَفِي الطُّهْرِ عِشْرِينَ فَطَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ خَمْسَةً تَمَامَ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ خَمْسَةً، وَقَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا فِي الطُّهْرِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ بِالرُّؤْيَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَأَمَّا الْعَادَةُ الْجَعْلِيَّةُ تُنْتَقَضُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَبِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ مِنْ الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَثُبُوتُهَا مَا كَانَ بِسَبَبِ التَّكْرَارِ فَكَذَلِكَ انْتِقَاضُهَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ التَّكْرَارِ فِيمَا يُخَالِفُهَا بِخِلَافِ الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ ثُمَّ الْمُبْتَدَأَةُ إذَا رَأَتْ أَطْهَارًا مُخْتَلِفَةً وَدِمَاءً مُخْتَلِفَةً فَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ لَهَا.

فَالْبِنَاءُ عَلَى أَوْسَطِ الْأَعْدَادِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَلَى أَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي عُثْمَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَصَاحِبَةُ الْعَادَةِ وَالْمُبْتَدَأَةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ، وَقَدْ تَكُونُ عَادَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ جَمِيعًا أَصْلِيَّةً وَقَدْ تَكُونُ جَعْلِيَّةً فِيهِمَا وَقَدْ تَكُونُ أَصْلِيَّةً فِي أَحَدِهِمَا جَعْلِيَّةً فِي الْآخَرِ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَنْبَنِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْأَطْهَارِ الصَّحِيحَةِ وَالدِّمَاءِ الصَّحِيحَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>