الْمَوْقِفِ مُخْتَلِفِينَ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ الْحُمْسَ كَانُوا لَا يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ، وَيَقُولُونَ لَا يُعَظَّمُ غَيْرُ الْحَرَمِ حَتَّى «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَقَفَ بِعَرَفَةَ جَعَلَ النَّاسُ يَتَعَجَّبُونَ، وَيَقُولُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ هَذَا مِنْ الْحُمْسِ فَمَا بَالَهُ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ» فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتْرُكَ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ حَتَّى إذَا أَسْفَرَ جِدًّا دَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. هَكَذَا رَوَاهُ جَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ حَتَّى إذَا كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ دَفَعَ إلَى مِنًى. وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لَا يَدْفَعُونَ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ، وَصَارَتْ كَعَمَائِمَ الرِّجَال عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ دَفَعُوا، وَكَانُوا يَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ. فَخَالَفَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِفِعْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا فِي الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَاتٍ فَإِذَا أَتَى مِنًى يَأْتِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَيَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَتَى مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ لَمْ يَعْرُجْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَقَالَ: أَوَّلُ نُسُكِنَا هُنَا بِمِنًى أَنْ نَرْمِيَ، ثُمَّ نَذْبَحَ، ثُمَّ نَحْلِقَ وَيَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي»
لِمَا رُوِيَ «أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَفَ فِي بَطْنِ الْوَادِي فَرَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا فَقَالَ: أَجَهِلَ النَّاسُ أَمْ نَسُوا هَذَا وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ»، وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَقَالَ هَكَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا يَرْمِي مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْ يُنَاوِلَهُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ فَأَخَذَهُنَّ بِيَدِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ لِلنَّاسِ: بِمِثْلِ هَذَا فَارْمُوا». وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ لَا يُؤْذِي بَعْضُكُمْ بَعْضًا».
وَالْمَقْصُودُ اتِّبَاعُ سُنَّةِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَبِهَذَا الْقَدْرِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ رُبَّمَا يُصِيبُ إنْسَانًا فَيُؤْذِيه وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ يَرْمِي بِهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ أَمَّا قَطْعُ التَّلْبِيَةِ عِنْدَ الرَّمْيِ فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَكَذَا رَوَاهُ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ رَمَى بِهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ».
أَمَّا التَّكْبِيرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ الرَّمْيَ وَقَفَ فِي بَطْنِ الْوَادِي وَجَعَلَ يَقُولُ عِنْدَ رَمْيِ كُلِّ حَصَاةٍ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا»، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute